الأربعاء، 4 فبراير 2009

المشهد الفلسطيني بعد أحداث غزة



بقلم: د. أنور حامد


لقد كانت الحرب على غزة كاشفةً كل المواقف، وليس عجبًا أن يطلِق عليها أهل الرباط في غزة "معركة الفرقان"؛ لأنها كانت فارقةً في كل شيء، وفرَّقت بين مرحلتين متباينتين، وبعثت هذه الحرب برسائل إلى الجميع واتضحت المواقف، ولا بد للجميع أن يعيد حساباته وفق هذه المواقف الجديدة:



أولاً: أهل الرباط في غزة وفلسطين

تحيةَ إكبار وإعزاز لكم؛ لثباتكم وصمودكم وفهمكم لقضيتكم وطبيعة المعركة مع العدوّ؛ فلم تتنكَّبوا الطريق ولم تنشغلوا بشيء غير العدو وأذكِّركم بـ:

- أنكم أهل الرباط والطائفة المنصورة، وأنكم قاهرون لعدوِّكم، ولن يتمكن منكم العدو إلا بما يصيبكم من لأواء.. عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوِّهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، قالوا: وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" (أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد والطبراني في الكبير).



- أن أرض فلسطين هي أرض المحشر والمنشر، كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "يا رسول الله أفتنا فی بيت المقدس؟ قال: أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه؛ فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره"، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: فتهدي له زيتًا يسرج فيه, فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه" (الراوي: ميمونة بنت سعد مولاة النبي- حديث صحيح).



- أن المعركة لم تنتهِ؛ لأن الحبيب المصطفى قال "حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" ولكن العبرة بالنهاية، فأنتم المنتصرون، فاثبتوا على ذلك، ومعركة الحياة والبناء والإعمار أصعب من المعركة العسكرية.



- أن الحرب رغم آلامها وجراحها إلا أن لله أمورًا يبديها ولا يبتديها، وله فيها ترتيب آخر لا يعلمه كثير من الناس؛ فلقد أعادت الحرب القضية الفلسطينية إلى الوجود مرةً أخرى؛ بعد أن كانت تراوح بين الموت والموات، وكسبت القضية تعاطفًا دوليًّا من الشعوب قبل الحكومات.



- لا تعوِّلوا على الحكام العرب، ولا تربطوا قضيتكم بهم؛ فإنهم لا يملكون من أمرهم شيئًا، ومصيرهم إلى الزوال، ولكن راهنوا على الشعوب وهي ما زالت حيةً تنبض بالحراك، وهذا هو المكسب الحقيقي من مكاسب الحرب.



- لا تنزعجوا من السلطة الفلسطينية وتصرفاتها؛ فهي مقهورة على أمرها وسارت في طريق التنازلات لمرحلة لا تملك فيها التراجع؛ فقد اعترفت بالعدو، وألغت خيار المقاومة، ووقَّعت على محاربته، ووافقت على خيار تسوية القضية بالشروط الصهيونية!!، وبالتالي لو فكَّرت في تغيير موقفها فسيكون مصيرها أشدَّ قسوةً من مصير الراحل ياسر عرفات، وهم بالتالي يدركون أنهم أمام خيارين لا ثالث لهما: خيار الموت بأي وسيلة.. الحصار والاعتقال والإعدام كمصير صدام، أو الخيار الآخر وهو تنفيذ الإملاءات الصهيونية.



ثانيًا: حركات المقاومة في غزة

وعلى رأسهم حركة حماس، أحيِّيهم وأشدُّ على أيديهم، وأقول لهم: أعلم جيدًا أن ميدان القول غير ميدان العمل أو كما يقول المثل العامي: "اللي إيده في المية غير اللي إيده في النار"، وأعلم أن الوضع صعب بل في غاية الصعوبة، ولكن أعلم- وعلى يقين- بأنكم أهل لذلك، وأنكم كما دحرتم العدو فأنتم قادرون على تحدي الصعاب، وبعد النصر تأتي مرحلة جني الثمار، وهذه المرحلة تدور معها رحى المعركة السياسية التي لا تقل شأوًا عن المعركة العسكرية، وتحتاج إلى الدعم والإسناد دبلوماسيًّا وإعلاميًّا، وتلك معارك أخرى تدور رحاها أيضًا، وقد تابعت بانبهار المجاهدين البواسل وهم يخوضون هذه المعارك جميعًا في آنٍ واحد، ويحقِّقون النجاح تلو النجاح؛ مع أن المعركة السياسية والإعلامية والدبلوماسية تتدخَّل فيها عوامل عدة وأطراف عديدة؛ مما يجعل المعركة أكثرَ صعوبةً وميادينها كثيرة ومتنوعة وجبهاتها عديدة، وذلك يتطلَّب جهودًا كبيرةً ومتابعةً حيةً وترقُّبًا لكل ما يقال وما يكتب وما يُعرض؛ بدون استثناء، مع التحليل والرد المناسب في التوقيت الأنسب وعدم الالتفات إلى القضايا الجانبية والمعارك الكلامية.



ولتعلموا أن القوة السياسية في مواقفها تستند أساسًا إلى ما تحقِّقونه أنتم على الأرض، ولولا ثباتكم وصمودكم لتغيَّرت الأمور سياسيًّا وميدانيًّا وجغرافيًّا ولما استقبلت العواصم العربية قياداتكم كمفاوضين وهم الذين كانوا يتمنون لكم الفناء والزوال؛ فأنتم مصدر القوة والعزة، فلا تتخلَّوا عنها، وتسلَّحوا بالإيمان بالله، وخذوا بكل أسباب القوة وطوِّروا أساليبها لتتناسب كقوة تردع العدوّ عن الاستخفاف بدمائنا.



القيادة السياسية للمقاومة

أهنئكم بالنصر وبالحنكة في إدارة المعركة وبنجاحكم في توحيد صفوف الفصائل المقاومة في خندق واحد، وأدعو الله لكم بالثبات والتصر في المعركة السياسية والدبلوماسية، ولا يفوتنَّكم أن تنوِّعوا خطابكم بتنوّع المخاطَب، ولا تُجمِلوا في الخطاب بين الفرقاء، ومن ذلك أن يكون العدو الصهيوني في رأس حربة الخطاب، ولا يجب أن يشرك معه مؤيدوه ومساعدوه في الخطاب.



وأن نتجنَّب الرد على الأشخاص مهما كانت أعمالهم وعمالتهم واضحةً، وأيًّا كانت تصريحاتهم سيئةً، بل يجب التركيز على القضية الرئيسية والدبلوماسية الكلامية التي تمنع من الوقوع في الفخِّ الإعلامي والانجرار وراء الحرب الكلامية والتجريح الشخصي الذي لا يخدم القضية بل يضرها.



ثالثًا: شرفاء حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية

إن تاريخكم النضالي لا يسمح لكم بتغيير مواقفكم والتضحية بثوابت القضية الفلسطينية؛ فلم يعد في العمر بقية تسمح بالبيع والشراء، وإنني أدعوكم إلى النظر إلى تاريخكم النضالي ومصيره، وهل ستختمون حياتكم بالتفريط في القضية للعدو، أدعوكم إلى العودة إلى خطبكم التي ألقيتموها والكتابات التي كتبتموها؛ لعلكم تتذكرون وتعودون إلى مواقفكم السابقة.



رابعًا: السلطة الفلسطينية

إن من باع قضيته لعدوِّه خسر شعبه ولم يأمن غدرَ عدوِّه, وأنتم لم تعتبروا من سلفكم ولا من التاريخ، ولم تذاكروا الجغرافيا جيدًا، ودخلتم السياسة من نفق ضيق يسير من ضيِّق إلى أضيق من أعلى إلى أسفل، ينتهي إلى الهاوية، ولذلك أنتم في مرحلة انتحار سياسي، وضعتم أنفسكم بين مطرقة العدو وسندان المقاومة، ومع هذا الوضع الصعب الذي وضعتم أنفسكم فيه ومع السعي المحموم من بعض الأنظمة العربية وبعض الدول الغربية لإخراجكم من هذا النفق وإنقاذكم من مهاوي الردى تبدو صعبةً بل شبه مستحيلة فتدبَّروا أمركم.



خامسًا: الأنظمة العربية

لستم على استعداد لتغيير مبادئكم ونهجكم اللا ديني في الحكم والسياسة، يُدفع بكم إلى معاداة كل منهج إسلامي والتحالف مع أي منهج يتقاطع مع المنهج الإسلامي حتى لو كان اليهود, ويظل البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة وعدم الاستعداد لخوض أي معركة من المعارك مع العدو حتى لو كانت سياسيةً وكلاميةً أو دبلوماسيةً فضلاً عن الحرب العسكرية هو خيارَكم الأول والأخير؛ حتى لو كان الثمن الشعوب والأمة, ومع ذلك تخوضون معارك إعلامية حامية الوطيس مع كل ما هو إسلامي بمناسبة وبغير مناسبة، ومعاركَ أمنيةً مع المعارضة، وتحالفًا غريبًا وعجيبًا مع الفساد والعدو, ولذا أقول لكم إن دوام الحال من المحال، وسيذهب العدو ويذهب الفساد، وسترحلون عن كراسيكم طوعًا أو كرهًا، ولكن الويل لكم من ثورة الشعوب في الدنيا ومن عقاب الله في الآخرة، وستبقى البلاد والشعوب، فمن انحاز لشعبه ربح نفسه وشعبه وأمن حكمه، ومن راهن على غير ذلك كانت نهايته غير مأمونة العواقب، فراهنوا على خيارات الشعوب لتضمنوا البقاء.



الشعوب العربية والإسلامية

لا بد من إدراك الواقع الذي تعيش فيه الأمة جيدًا، وقراءة الخريطة الجغرافية والسياسية، ومعرفة جوانب الضعف والقوة في هذه الأمة، وأن القوة ليست عتادًا وسلاحًا وجيشًا وشرطةً فقط، ولكن هناك مفاهيم أخرى للقوة؛ منها القوة السياسية والقوة الدبلوماسية والقوة الإعلامية وقوة الشعوب، وهذه الأخيرة قوة رهيبة بغير سلاح، تستطيع أن تهزم جيوشًا، وتغيِّر نُظُم حكم، وتفرض واقعًا بدون إراقة دماء.. هذه القوة لجأ إليها غاندي في الهند ضد الاحتلال الإنجليزي، وأجبره على الرحيل, ولجأ إليها مانديلا وحرَّر جنوب إفريقيا من البريطانيين البيض، ولها صور متعددة؛ منها المقاطعة، ومنها التظاهر، ومنها العصيان المدني، ووو.. ولكن أساس نجاح هذه القوة هو توحُّدها على وسيلة وهدف واحد؛ فقوة الجماهير في توحدها؛ لذلك تسعى الحكومات إلى تقويض هذه الوحدة أولاً بأول.



لذلك أدعو الشعوب والجماهير إلى إعادة النظر فى مظاهر قوتها واستثمارها وعدم الهزيمة نفسيًّا أمام الحكام وبطشهم، ولا تفقدوا الأمل فى التغيير والإصلاح نتيجة تجبُّر الحكام؛ لأن رهان التغيير مرهون بالشعوب لا بالحكومات فقط، وكيفية تفعيل واستثمار هذه القوة، وأول خطوات الاستثمار والتفعيل هو الوعي السياسي للشعوب والإيجابية التي تدفع الجميع للتحرك والرغبة في التغيير.



قضية غزة هي قلب قضية فلسطين وهي قضية المسلمين وليست قضية أهل غزة، كما أن فلسطين هي قلب الأمن القومي للعرب والدفاع عن فلسطين دفاع عن الأمة بأسرها وخبراء الأمن القومي والعسكريون يدركون ذلك جيدًا، بعضهم تكلَّم عن ذلك، والبعض الآخر سيتكلم بعد فوات الأوان، فلتقل الشعوب كلمتها قبل فوات الأوان.

يا غزة النصر


الثلاثاء، 3 فبراير 2009

واستشهد الغالي .. سعيد صيام


الشهيد القائد نزار ريان في فيديو متميز


الرجال مواقف - أردوجان و مبارك


خنساء فلسطين - أم نضال


أين الرجولة يا عرب


سايبين غزة - أ.محمد جودة


شيخ الأزهر و بيريز


الاثنين، 2 فبراير 2009

منصورة .. يا حماس


هكذا غيرتني غزة


أ. شروق محمد




لم يعرف عنه إلا المبالغة في الاعتناء بصحته ، والخوف من أي عرض مرضي حتى أنه كان يتحوط من أي جرح صغير يلم به..ولكنه ومنذ بدء العدوان على غزة ، أخذ يبحث في دأب عن وسيلة للمساعدة والتضامن ، حتى علم بحملة التبرع بالدماء لأهل غزة..فأسرع مهرولاً ليكون من أوائل من بعثوا بدمائهم لأهلنا هناك..لم يفكر طويلاً ولم يتحوط كعادته ولم تجتاحه لحظة تردد..كان يقول بضعة من دمائي في شرايينهم قد تسبقني إلى الجنة..فأحياؤهم -إن عاشوا- شهداء يمشون على الأرض..




لم تكن إلا هادئة خجولة تستحي أن ترفع صوتها ولو في جمع من أفراد العائلة..ولكنها وبالمصادفة وجدت تلك التظاهرة في إحدى شوارع المدينة..مرت من أمامها بسرعة وابتعدت..ثم لم تلبث أن عادت بعد أن علت الحناجر بالهتاف ورددت القلوب النداء..وقفت أمام النساء هناك ..تأملتهن..تأملت الإصرار والعزم في عيونهن ، وكانت منهن من تحمل صغارها على أكتافها وتهتف بقوة..اندست بينهم وهي ترتعش ؛ فلم يسبق لها المشاركة في مثل هذا من قبل..مضت الدقائق وبدأت تتمالك نفسها ثم رددت النداءات بصوت مخنوق لا يكاد يٌسمع..ثم بدأ صوتها يعلو تدريجياً ..حتى وجدت نفسها تردد بقوة وبصوت جهوري معهم..أحست أن قلبها يخفق ، ومشاعرها تتهلل ، وروحها تهدر وهي تخرق حجب الخجل والخوف القديم وتؤدي هذه الرسالة مع أخواتها..ثم سرت نشوة عجيبة في عروقها وهي تدعو معهم دعاءً جماعياً وتبتهل..أما رجال الأمن الذين يملئون المكان فقد لمحت نظرات الحسرة في عيونهم وهم ينكصون عن المشاركة معهم ، وأخذ المارون يدعون لهم بالتوفيق والسداد في كل ما يقولونه ويفعلونه..وانتهى المشهد الرائع وهي تقول في نفسها لا خوف ولاخجل بعد اليوم من أجل غزة.




كان انشغاله بعمله وعيادته ومرضاه أهم لديه حتى من حياته الخاصة ومتعته الشخصية..لكنه رأى العيون تتطلع والأفئدة تتحلق فوق هذه البقعة النازفة من تراب أمتنا..وجد أن عليه أن يشارك الجميع إيجابيتهم في البحث عن وسيلة للمساعدة..وحانت اللحظة ، فما إن سمع باعتزام بعض الأطباء التوجه إلى هناك في تلك المهمة الاستشهادية لانقاذ جرحى غزة ، حتى أسرع بإنهاء ارتباطاته وإغلاق عيادته وتحزيم أمتعته ليشارك القوافل الطبية العابرة إلى هناك إلى أرض الرباط.. إلى غزة..لم تكن المهمة سهلة ولا ممتعة ، بل كانت تعني أربعة أيام من المرور الدائب على مكاتب وزارة الصحة ووزارة الخارجية ومقرات الجهات الأمنية ليحصل على الموافقات المطلوبة..ثم أربعة أيام أخرى أمام بوابة المعبر وعلى الرصيف حيث كان يفترش وزملاؤه الأرض في هذا البرد القارس وتحت أجواء القصف الذي يناوش الحدود..كانت روحه تهدر بنداء واحد "نحن فداؤك يا غزة"..وبعد ثمانية أيامٍ من الانتظار أتت الموافقة بالعبور تحت نيران القصف وعلى هدير صوت القنابل..ليبدأ رحلة ما كان يتصور أن تحكيها يوماً سجلات حياته..اليوم "كلنا لغزة..".




لم يعد يطارد مشاهد الرقص والغناء عبر شاشات الفضائيات..ولم يعد همه الأول تحميل أحدث الرنات لهاتفه الخلوي المتجدد دائماً..تناسى متابعاته اليومية لأحدث صيحات قصات العشر وموديلات الملابس والأحذية..لم يعد يُرى إلا متتبعاً لنشرات الأخبار وبرامج التحليل السياسي..كانت تؤلمه مشاهد القتل الجماعي المروع.. كانت تذهله مشاهد صمود الشباب الذين لا هم لهم إلا انقاذ الجرحى ونقل المصابين في ظل نيران القصف التي كانت تلاحقهم..كان يبهره صمود المقاومة التي وبأقل الإمكانات استطاعت أن تكون قوةً ترهب العدو وتصل إليه في مكمن داره.. كانت تزلزله تلك الروح الإيمانية التي سرت في وجدان هذا الشعب حتى أنهم يصمدون في مواجهة أعتى جيوش الأرض.. اكتشف أن للرجولة معانٍ أخرى..اكتشف أن للشباب دوراً آخر.. اكتشف أن للحياة غاياتٍ أسمى من تصفيف الشعر ومداعبة أزرار الموبايل وملاحقة الفتيات عبر الشات وصالات (الديسكو) ، اكتشف أن للأمة قضية عليه أن يعيش من أجلها ويدور في فلكها..هكذا ولُدت من جديد لأجلك يا غزة .




ما أحلى كوب الشاي الساخن في صبيحة يومٍ بارد قبل الذهاب للعمل..لكنه قرر أن يشارك في حملة الصوم الجماعي من أجل غزة ، حتى لو كلفه الأمر الحرمان من شرابه الساخن ووجبة إفطاره الشهية.."اللهم لك صمت وبك آمنت وعليك توكلت..اللهم انصر أهل غزة".




البيت والآولاد هي باختصار مفردات حياتي ..لم يعد يتسع الوقت لغيرهما..ولم يعد في الإمكان استغلال طاقتي الدعوية ودراستي المتعمقة لعلوم الفقه وأصول الدين.. لكن .. لكنني في حاجة الآن للفعل.. لم يعد بالإمكان السكون والركون وغزة تحترق..ليكن فبكل رجل يتفقه في دينه ستصمد غزة.. وبكل فتاة تقف على أمور عقيدتها تقوى غزة..وبكل طفل يتلو آيات القرآن تحيا غزة..وبقلوب تجتمع لتهدر بالدعاء ستنتصر الإرادة في غزة..




لا بأس ففي الإمكان توفير ساعة ..لا بل ساعتين.. بل أكثر خلال أيام الأسبوع لإلقاء المحاضرات بمسجد البلدة..عليَّ أن أكون معهم بإحياء الدين في هذه القلوب النضرة نصرةً لكِ يا غزة..




ماذا؟؟ الصلاة؟؟..الصلاةُ في وقتها؟؟..الصلاةُ في جماعة بالمسجد....صلاة الفجر وبالمسجد؟؟..ما هذه الأمنيات البعيدة.. انشغالاته الدائمة ..سهره اليومي الذي يمتد إلى ما قبل الفجر..استيقاظه عند العصر..خروجه الدائم مع شلة الأصدقاء.. سفراته.. رحلاته..بحثه الدؤوب عن المتعة بكافة أشكالها..كل هذا جعل من مجرد صلاة الفرد أمنية بعيدة المنال..لكنه..لكنه الآن..نعم هو ذلك الشاب النشيط الذي يهب قبيل الفجر بنصف ساعة..لا ليحزم أمتعته لرحلة مع الأصدقاء..ولا ليلتقي فتاة كان يواعدها عبر الشات..ولا حتى ليقضي مصلحة ضرورية لشخصه..ولكن ليسير في شوارع الحي يدعو الناس للاستيقاظ لصلاة الفجر..بعد أن اتفق مع مجموعة من أصدقائه على الطواف كلٌ بحيه لدعوة النائمين للاستيقاظ والصلاة والدعاء بصورة جماعية لأهل غزة.




نعم فغزة تنتفض من الألم ولكن انتفاضتها تحت أنياب الموت الكاسر كانت إيذاناً بانتفاضة روح جديدة في جسد الأمة..روح جديدة سرت في وجدان الرجال وفي أفئدة النساء وعلى ألسنة الأطفال.. روحٌ سرت فضمت الأيادي والقلوب والأرواح للبحث عن شيء فاعل لأجل غزة.. تنتفض غزة تحت نيران القصف.. وتنتفض الأمة متخلية عن سباتها وسكونها وركونها واستسلامها.. تنتفض الأمة فتشتعل الشوارع بالمظاهرات اليومية التي تجتاج المدن والعواصم .. تنتفض الأمة فتسرى فيها روحٌ ماتت منذ زمن ، تنتفض الأمة فيتناسى كلًٌ ذاته ومصالحه الشخصية ومكاسبه الذاتية وغايات سعادته.. تنتفض الأمة فتجتمع نساء السودان على بيع حليهن للتبرع بأثمانها لضحايا غزة..تنتفض الأمة فيجتمع أهالي قرية يمنية فقيرة لبيع مواشيهم وأغنامهم للتبرع بأثمانها لغزة..تنتفض الأمة فيتزاحم المصريون على التبرع بالدم حيث لا يتسع المكان لقدم ولا تكفي الأيام المحددة للتبرع مما يضطر القائمين على الحملة لمد فترات التبرع لأيام متوالية.




تنتفض الأمة فيتبنى شباب السعودية حملة الصيام من أجل غزة على الفيس بوك..وتتفق الفتيات على آداء العمرة من أجل نصرة غزة..تنتفض الأمة فيجتمع ملايين الأتراك على نداء "الله أكبر.. بالروح والدم نفديك يا غزة" وذلك في شوارع العاصمة أنقرة التي شهدت منذ زمن أشرس الحملات لمحاربة الإسلام وزلزلة أركانه ودحر لغته..تنتفض الأمة فتسري هذه الروح في العواصم العربية بل والعالمية في توافق وتلاحم لم يشهده العالم من قبل..انتفضي. انتفضي إذن يا غزة انتفضي لتنتفض معك روح الأمة وتبعث فيها الحياة من جديد.

أدركي أباك يا فاطمة - محمد أشرف




الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه وبعد ....


" أدركي أباكي يا فاطمة "
كانت هذه كلمات سمعها مالك بن دينار في المنام ..
ذلك الحلم الذي كان سببا في توبة سيدنا الإمام مالك بن دينار ذلك التابعي الجليل ..


نادى بها أطفالُ الجنة فاطمة بنت مالك لكي تدرك اباها من ذنوبه التي كانت تطارده حتى كادت ترديه في النار وبئس المصير ...


حقيقة حينما رأيت جورج بوش يضرب " بالجزمة " ربطت ذلك الموقف بذاك .. وربما تستغربون ولكن حقيقة الموقفان متشابهان ...


لقد زادت أمريكا في ظلمها وبغيها كما كان قد زاد مالك بن دينار في ظلمه وبغيه ...


زادت أمريكا في بغيها وظلمها وطغيانها زيادة غير معقولة سواء كان هذا الظلم مباشرًا تمارسه السيدة أمريكا بنفسها أو غير مباشر تمارسه الحكومات على أبنائها " بضغوط أمريكية " .


حينما زاد مالك بن دينار في بغيه وجد من يدركه , ولكن أمريكا للأسف لن تجد من يدركها من هذه الحكومات حين "تضرب بالجزمة"..


الكل سيضرب بالجزم بل أمريكا تضرب كل الشعوب "بالجزم" بل تضرب الحكومات قبل الشعوب وكأنها " ماسكة عليهم ذلة " .


ضربتا أمريكا كثيرا " بالجزم " على أدمغتنا ونحن صامتون ضربتنا في العراق وافغانستان وفلسطين ضربتنا كثيرا ... وحينما تكلمنا أوتكلم بعضنا أو قل تكلم أحدنا وجد أبواب المعتقلات ترحب به وتفتح له صدرها ...


ذلك الصحفي " منتظر الزيدي " الذي حاول أن يقتص لعرضه ووطنه ودينه – على طريقته – الذي حين عبر وجد السجن والضرب والإعتقال والتعذيب ..


والله يجب أن تفيق الحكومات لأن أمريكا تضربها ولن تجد هذه الحكومات من يدركها لأن الشعوب قد ملت بل قد كرهت حياتها من كثرة الظلم والإضطهاد اللذان تلاقيهما كل يوم ..


ويجب أن تفيق أمريكا وتعلم أن رمزها السياسي وقائدها الإداري قد ضُرب "بالجزمة" وهذا ما يعد انتهاكا للكرامة الأمريكية والسيادة الدولية ... ويوشك أن تضرب أمريكا وكل أتباعها بالجزم وحينها لن يكون هناك كرامة ولا سيادة.


وقتها لن تجد أمريكا من يدركها أو حتى من ينادي بإدراكها ويقول : " أدركي أباكي يا فاجرة " لأن الفاجرة وقتها ستضرب أيضا ..


" إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ" [البقرة:166].


ومن هنا أعلن تضامني مع ذلك الصحفي العربي العراقي البطل " منتظر الزيدي " وأقول :
" نحن معك يا منتظر "





فإن كنتم معي فأنا أناشدكم بالله ألا تحرموني من توقيعاتكم وتعليقاتكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا مكانك يا علم - محمد أشرف


الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له اعز المسلمين بالإسلام وأذل المشركين بالكفر والهوان وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا وأستاذنا ومعلمنا وقائدنا ومرشدنا ومخرجنا من الظلمات الى النور وصلى الله عليه على آله وأصحابه أجمعين وأرض اللهم عنا معهم أجمعين اللهم أمين..


هذا مكانك يا علم .. نعم .. فلم تخلق لتكون بالأعلى أبدا وأعلم يا علم أنك مهما ارتفعت فسيأتي يوم تسقط فيه ..


هذا مكانك يا علم .. نعم .. ها هم طلاب الفرقة الأولى بكلية الهندسة جامعة الزقازيق يعلنوها بلا كلام بل يصرخون بها بلا نطق ... هذا مكانك يا علم ..


الشيء العجيب والغريب أن طلاب أسرة النور حينما قاموا بوضع العلم على الأرض قام الجميع بدهسه بكل كراهية لليهود بل أنني سمعت أحد الحرس يقول " دوس ينعل أبوه وأبو صحابه "


لقد لاقى هذا العمل بالذات إقبال غير عادي من الطلاب والعمال والموظفين وحتى الحرس " حرس الجامعة " ولكن الغريب أن بعض الملتزمين " كما يقولون " لم يريدون أن يدهسوا العلم بل انني سمعتهم يقولون لأحد الطلاب :" كدة بقى انت استريحت ؟؟ " ... اعتبارا منهم أن هذه كلها أشياء مخالفة للشريعة أو لربما أنهم اعتادوا انه كلما سار طلاب الإخوان في اتجاه ساروا هم عكسه بلا تفكير ..


هذا مكانك يا علم .. هذا مكانك تحت الأقدام ... يا الله ما أجمل هذا الشعور الذي لا أستطيع وصفه لكم وأنا أرى هذا العلم الحقير يداس بالأقدام , أحسست ساعتها بالعزة وبالفخر , وتذكر أن الإسلام هو حقا دين العزة لا يرضى أبدا للمسلم بالهوان ...


هذا مكانك يا علم .. وأحلم في يوم من الأيام أن يدهس علم السفارة اليهودية في القاهرة الذي يرفرف على الضفة الغربية لنهر النيل في القاهرة .. بل أحلم أن ينزل من المكان العالي ليهبط تحت الأقدام ويحرق بالنيران ...


هذا مكانك يا علم .. وليس مكانك في السفرة الصهوينية بالقاهرة في ذلك المكان بالذات على يسار النيل ليحقق اليهود مطمعهم وطلبهم أن تكون امبراطوريتهم من النيل إلى الفرات ولكن بإذن الله لن تنالوا ذلك ...


هذا مكانك يا علم .. وأتمنى في يوم من الأيام أن أخرج من بيتي فأجد أمامه علم إسرائيل على الأرض واذهب إلى المسجد فأجد علم إسرائيل على الأرض ليدهسه المصليين وأذهب إلى الجامعة فأجد علم إسرائيل على البوابات الرئيسية ليدهس بالسيارات والأقدام .. بل أتمنى أن أراه في يوم يخط على الأرض بدلا من تلك الإشارات المرورية البيضاء ليظل دائما على الأرض يدهس و يدهس و يدهس ...


وإنه جهاد نصر أو استشهاد

ثمن الحياة


بقلم: أحمد زهران


في الثاني من شهر مايو سنة 1864م جلس القاضي الإنجليزي في محكمة "إنباله" ومعه أربعة من وجهاء البلد؛ ليروا رأيهم في القضية التي اتُّهم فيها مجموعةٌ من المجاهدين (11 رجلاً) بالتآمر على الحكومة الإنجليزية في الهند، ومساعدة الثوار على حدود أفغانستان بالمال والرجال؛ مما جعل الإنجليز يغتاظون بشدة من المجاهدين.


وفي يوم صدور الحكم عليهم قال القاضي الإنجليزي الحاقد وهو يخاطب قائد المجموعة- واسمه جعفر-: "إنك يا جعفر رجلٌ عاقلٌ متعلمٌ، ولك معرفة حسنة بقانون الدولة، وأنت عمدة بلدك ومن سراته (سادته)، ولكنك بذلت عقلك وعلمك في المؤامرة على الحكومة، وكنت واسطةً في انتقال المال والرجال من الهند إلى مركز الثوار، وها أنا ذا أحكم عليك بالإعدام، ومصادرة جميع ما تملك من مال وعقار، ولا يُسلِّم جسدك بعد ذلك إلى ورثتك، ويُدفن في مقابر الأشقياء بكل مهانة، وسأكون سعيدًا مسرورًا حين أراك معلقًا مشنوقًا".




فما كان من المجاهد جعفر إلا أن ردَّ على القاضي الإنجليزي بكل وقارٍ واتزانٍ وهو متهلل الوجه مستبشر القلب: "إن الأرواح بيد الله تعالى؛ يحيي ويميت، وإنك أيها القاضي لا تملك حياةً أو موتًا، ولا تدري من السابق منا إلى منهل الموت"، وتعجَّب الإنجليز من هذا الجواب، فتقدم إليه الضابط الإنجليزي "بارسن" وقال له: "لم أرَ كاليوم، يُحكَم عليك بالإعدام، وأنت مسرور مستبشر؟!"، فقال له جعفر: "وما لي لا أفرح ولا أستبشر، وقد رزقني الله الشهادة في سبيله؟! وأنت مسكين لا تدري حلاوتها".



وقد حُكم على البعض بالإعدام، وحُكم على البعض الآخر بالنفي المؤبد، وعندما شعر الإنجليز أن المجاهدين فرحون بحكم الإعدام وينتظرونه بفارغ الصبر جُنَّ جنونهم، فدخل عليهم أحد قادتهم ذات يوم وقال لهم: "إنكم أيها الثوار تحبون الشنق، وتعدونه شهادةً في سبيل الله، ولا نريد أن نبلِّغكم أملكم، ونُدخل عليكم السرور؛ ولذلك نلغي حكم الإعدام، ونحكم عليكم بالنفي المؤبد إلى جزر سيلان".


وتم نُفي المجاهدين، وظلوا في منفاهم مدة ثماني عشرة سنة حتى أفرج عنهم سنة 1883م، وعاد جعفر ورفاقه إلى بلدهم، وقد هلك القاضي الإنجليزي الذي كان يتشفَّى في المجاهدين.


وكم هلك قضاةٌ جائرون، وحكامٌ ظالمون، وطغاةٌ متجبرون، وهم يحاولون عزل الشعب الفلسطيني عن العالم، عبر حصار قوي ظالم غاشم!!، وربما حدَّث خصومهم أنفسهم كل يوم بأن أهل غزة سيستسلمون ويندمون، ويفاوضون ويصالحون، وإذا بأهل غزة يرسلون رسالة إلى العالم أجمع: "إن الموت بكرامة ونحن خائفون أفضل من الحياة بذل ونحن آمنون".


توجيهات على الطريق


روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنه قال: "لما طُعن حرام بن ملحان- وكان خاله- يوم بئر معونة فقال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال: فزت ورب الكعبة"، فأي فوزٍ حصل عليه ذلك الصحابي وقد أُزهقت روحه؟! إنه فوز الشهادة.. فوز صناعة الحياة.. فوز اختيار الميتة الشريفة.


يقول أحد تلاميذ الإمام البنا (رحمه الله): "سألت الإمام يومًا وأنا في صحبته إلى المنزل، فقلت له: يقول "الشاذلي" في بعض أدعيته وهو يسأل الله: "هب لنا الحكمة البالغة مع الحياة الطيبة والموتة المطهرة"، فماذا يقصد ب(الحياة الطيبة والموتة المطهرة)؟


فقال الإمام البنا (رحمه الله): "الحياة الطيبة هي حياة الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والموتة الطاهرة هي الشهادة"، ثم قال لي: "انصرف، وادع الله أن يرزقنا الحياة الطيبة والموتة الطاهرة، فلا نموت كما تموت الخِرفان، أو كما شبَّه خالد بن الوليد (رضي الله عنه) موتته على فراشه بأنه يموت كما يموت البعير".


ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلِّمنا كيف نختار الميتة الشريفة؛ فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "والذي نفسي بيده.. لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم بأن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلَّفتُ عن سريةٍ تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده.. لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل" (رواه البخاري ومسلم).


وفي مقالٍ بعنوان (صناعة الموت) يقول الإمام البنا (رحمه الله): "أَجَلُّ صناعةٍ الموتُ؛ فالموتُ صناعةٌ من الصناعات؛ من الناس من يحسنُها فيعرف كيف يموت الموتة الكريمة، وكيف يختار لموتته الميدان الشريف والوقت المناسب، فيبيع القطرةَ من دمه بأغلى أثمانِها، ويربح بها ربحًا أعظم من كل ما يتصوَّر الناس، فيربح سعادة الحياة وثواب الآخرة، ولم تنقص من عمره ذرة، ولم يفقِد من حياته يومًا واحدًا، ولم يستعجل بذلك أجَلاً قد حدَّده الله.

ومن الناس جبناء أذِلة، جهلوا سرَّ هذه الصناعة، وغفلوا عن مزاياها وفضائلها، فمات كل واحد منهم في اليوم الواحد ألفَ موتةٍ ذليلةٍ، وبقي وموتاتُه هذه حتى وافته الموتةُ الكبرى ذليلةً كذلك، لا كرمَ معها ولا نُبلَ فيها، في ميدان خاملٍ خسيسٍ ضارعٍ، وقضى ولا ثمنَ له، وأهدرَ دمه ولا كرامةَ" (مجلة النذير، العدد 12، 2 من شعبان 1357ه= 1938م).


كما تحدَّث (رحمه الله) عن كيفية الحصول على الحياة العزيزة عن طريق الموت في سبيل الله فقال: "إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يَهِبُ لها الله الحياةَ العزيزةَ في الدنيا والنعيمَ الخالدَ في الآخرة، وما الوهن الذي أذلَّنا إلا حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت، فأعِدوا أنفسكم لعمل عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، واعلموا أن الموت لا بدَّ منه، وأنه لا يكون إلا مرةً واحدةً؛ فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربحَ الدنيا وثوابَ الآخرة، وما يصيبكم إلا ما كتب الله لكم، وتدبَّروا جيدًا قول الله تبارك وتعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (آل عمران: 154)، فاعملوا للموتة الكريمة تظفَروا بالسعادة الكاملة، رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد في سبيله" (الرسائل، رسالة الجهاد).


إن الذين يُقدِّمون صدورهم ويقتحمون الميدان ويقاتلون اليهود ويقاومون المحتلين، إنما يشترون الحياة، وساء فهمه وخاب ظنه مَنْ حسب أن الحياة هي الدنيا بمتاعها الزائل وعمرها القصير، "وما أذل الناس وخفض رقابهم إلا حب الحياة والرغبة فيها دون قيدٍ أو شرط، قال الله تعالى عن اليهود: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ (البقرة: من الآية 96)، حياة هكذا!! أيًّا كانت، حتى ولو كانت حياة الذل والفقر والهوان والضعف والخمول!!، المهم عندهم أن يظلوا أحياءً.


والتنكير ها هنا في كلمة "حياة" هو للتحقير، ومن الطرائف التي تساق في هذا المجال: أنني سمعتُ زعيمًا لمنظمةٍ يعدونها منظمة للتحرير، تحرير الأرض، وتحرير الإنسان؛ سمعته يقول في إذاعة كبرى في يوم من الأيام وهو يمدح المؤمنين والمجاهدين والصابرين: وإنهم يحبون الموت كما تحبون الحياة، فيقول: قال الله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ (البقرة: من الآية 96)؛ يظن أن هذه الآية مدح، ولم يدرِ أنها ذم، ويظنها في المؤمنين، وما درى أنها في بني إسرائيل اليهود" (سلمان العودة، جزء من محاضرة صناعة الموت).


يقول الإمام البنا (رحمه الله): "عجيبٌ أن يكون ثمن الحياة هو حب الموت، ولا ثمنَ لها إلا هذا، ولهذا كان فيما أوصى به أبو بكر خالدًا (رضي الله عنهما) في بعض غزواته: "يا خالد.. احرص على الموت توهب لك الحياة".


والقرآن الكريم يقرر أن الفناء في الحق هو عين البقاء، وأن ذات الموت في سبيل الله هو حقيقة الحياة، فيقول: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)﴾ (آل عمران).


وتأمَّل هذه الإشارة اللطيفة في الآيات الكريمة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)﴾ (البقرة).


لتعلم أن الموت ثمن الحياة، وأن حب الحياة نذير الموت، وأن الأمة التي تريد أن تعيش كلها لا بد أن تموت كلها؛ لأنها لم تدفع من دمها ضريبة الحياة.

وليس حب الموت ثمن الحياة وحدها، ولكنه ثمن الحياة وثمن النصر وثمن العزة وثمن الخلود، وهي أطيب ما في الحياة، وهذا قانونٌ لم يتخلَّف من قبل، ولا يتخلَّف اليوم، ولن يتخلَّفَ من بعد؛ لأنه سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.


لقد أدرك أسلافنا هذه الحقيقة، فحرصوا على الحياة الكريمة بالإقدام على الموت في ساحات البطولة والمجد، وكان أحدهم يندفع إلى القتال لا يبالي أَوَقَع على الموت أم وقع الموتُ عليه: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران: 173) (مجلة الفتح، العدد 857، رجب 1367ه= 1948).


نماذج سامقة


تروي كتب التاريخ أن حممة الدوسي (رحمه الله) غزا مع أبي موسى الأشعري إلى أصبهان، فقام في الليل وصاح: "اللهم إن حممة يحب لقاءك.. اللهم إن كان صادقًا في ذلك فاعزم له بصدقه واقتله، وإن كان كاذبًا فاحمله على ذلك وإن كان كارهًا له، اللهم لا ترجعني من سفري" قال: فأخذه شيء في بطنه فمات بأصبهان، فقام قائد الجيش أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه) يقول للجنود: "يا أيها الناس.. إنه والله ما سمعنا من نبيكم ولا بلغ علمنا إلا أن حممة شهيدٌ في سبيل الله تعالى".


وهذا عتبة بن أبان البصري؛ بات ذات يوم عند رباح القيسي، قال: فسمعته في الليل ساجدًا يبكي ويقول: اللهم احشر عتبة في حواصل الطير وبطون السباع.


يقول شاعر الخوارج الطِرماح بن الحكيم (ت 125هـ):


ولكن قبري بطن نسرٍ مقيلُه بجو السماء في نسورٍ عواكفِ


وأمسي شهيدًا ثاويًا في عصابةٍ يصابون في فجٍّ من الأرض خائف


فوارس من شتّى يؤلّف بينهم تُقى الله نزَّالون عند التزاحفِ


إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف


وهذا عبد الله بن المبارك يخرج إلى الشام غازيًا في سبيل الله تعالى، فلمَّا رأى ما فيه القوم من التعبُّد والغزو والجهاد وارتفاع المعنويات والإيمان، وكل يوم بعث أو سرية أو قتال، التفت إلى من حوله، وقد أخذته نشوة ووجدٌ وعَجَبٌ ودهشةٌ لهذه الحال الجديدة، فقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون على أعمارٍ أفنيناها وأيامٍ قطعناها في علم الخلية والبرية، وتركنا أبواب الجنة مفتوحة ها هنا"، وقد كتب بعد ذلك إلى الفضيل بن عياض المتعبِّد في الحرم، يعاتبه ويقول:


يا عابدَ الحرمينِ لوْ أبصرتنا لَعَلِمتَ أنَّك فَي العِبَادَة ِتَلْعَبُ


منْ كانَ يخضبُ جيدهُ بدموعِه فَنُحورُنَا بِدِمَائنَا تَتَخَضَّبُ


أوْ كانَ يُتعبُ خيلهُ في باطلِ فخيولُنا يومَ الصبيحة ِتَتعبُ


ريحُ العَبِيرِ لَكُمْ وَنَحنُ عَبِيرُنَا وهجُ السنابِكِ والغبارُ الأطيبُ


ولقدْ أتانَا منْ مقالِ نَبينَا قَولٌ صَحِيحٌ صَادِقٌ لا يَكْذِبُ


لا يَستَوي وغُبَارُ خَيِل الله فِي أنْفِ امرِئ وَدُخَانُ نَارٍ تُلْهَبُ


هَذَا كَتَابُ الله يَنْطِق بَيْنَنَا لَيْسَ الشَّهِيدُ بِمَيِّتٍ لاَ يَكْذبُ


إن الموت يسري على الجميع، فاختر لنفسك ميتة كريمة؛ فالأمة التي لا تجيد صناعة الموت لا توهب لها حياة كريمة؛ فالحياة علَّمتنا أن العزة والكرامة لا تقدَّمان على أطباق من ذهب، وإنما تُؤخذان أخذًا وتُنزعان انتزاعًا.


تروي كتب التاريخ أن معاوية بن خديج (رضي الله عنه)، جاء يبشِّر عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بفتح بلاد الإسكندرية في وقت القيلولة؛ فهمَّ أن يطرق الباب، ثم تركه وذهب إلى المسجد، فعلم عمر فقال: أين معاوية؟ ألم أسمع أنه قدم؟ قالوا: بلى هو في المسجد قال: علي به.


فلما جاءه قال له عمر: مالك يا ابن خديج؟ قال: يا أمير المؤمنين.. ظننت أنك قائل- أي ظننت أنك نائم- فضحك عمر وقال: هيهات! إن نمت بالنهار ضيَّعت رعيتي، وإن نمتُ في الليل ضيعت نفسي..


لا يطعم النوم إلا ريث يحفّزه هَمٌّ يكاد حشاه يحطم الضلعا


ورحم الله عز الدين القسام عندما قال في خطبته الشهيرة: "يريدون أن يأخذوا منك دينك ومالك وعرضك وبلدك ويجعلوك بلا شيء، أسيرًا بين أيديهم، خادمًا ذليلاً مطيعًا لهم؛ فعليك أن تغضب لربك ودينك؛ فإن لم تفعل فعليك أن تغضب لأمتك ولنفسك ولمستقبلك ولتاريخك".


ولله در القائل:


من يَهُن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميّتٍ إيلام


بارك الله في المجاهدين المخلصين في غزة الحبيبة الذين ذكرونا بهذه النماذج الفريدة والمعاني العظيمة، وأعطوا أروع الأمثلة لكيفية صناعة الحياة الكريمة.

--------


* داعية وصحفي مصري.

الشهيد القائد دكتور نزار ريان رحمه الله


أسئلة الكرامة والهيبة - أ.فهمي هويدي


يتحمل الدكتور فتحي سرور المسئولية عن تذكيرنا بكرامة مجلس الشعب، حين ألقي علينا قبل حين درساً بخصوصها، أبرزته بحفاوة واعتزاز مختلف وسائل الإعلام المصرية المرئية والمسموعة والمكتوبة.


ذلك أن الرجل انفعل حين تكرر رفع الحذاء في قاعة المجلس، من جانب اثنين من الأعضاء المحتجين والغاضبين، ما إن جاء ذكر إسرائيل علي لسانيهما، حتي تذكر كل منهما حذاءه، وليس لديَّ أي اعتراض أو تحفظ علي ما قاله الدكتور سرور في تعقيبه علي ذلك، بل أؤيد دعوته جميع الأعضاء إلي ضرورة الالتزام في مداخلاتهم بالسلوك الذي يحفظ للمجلس هيبته وكرامته، ولو أنه قال هذا الكلام دون أن يشير إلي كرامة المجلس وهيبته لما كان لي أن أراجعه فيما قال، أما وقد تطرق إلي هذه النقطة وتحدث عنها بانفعال وحماس كما شاهدناه علي شاشة التليفزيون، فإنه أيقظ عندي عددا من الأسئلة «النائمة» التي اختزنتها.. بعدما لاحظت من شواهد عدة أن ملف كرامة المجلس وهيبته مرحل إلي أجل غير معلوم، وأن الدكتور سرور مشغول عنه بأولويات أخري، لكنني بعد الذي سمعته علي لسانه اكتشفت أنه لا يزال يذكر الموضوع، وأدركت أنني ظلمت الرجل وأسأت تقدير موقفه، وهو ما شجعني علي أن أستعيد بعضا من الأسئلة التي حيرتني حينا واختزنتها طويلا.. من هذه الأسئلة ما يلي:


* ما رأي الدكتور سرور في ظاهرة استهانة الوزراء بالمجلس وتكرار عدم اكتراثهم بحضور الجلسات التي تُناقش فيها أمور تهم وزاراتهم، والاكتفاء بإرسال مندوبين عنهم للقيام بالواجب بالمخالفة للائحة المجلس، علما بأن وزير الداخلية لم يدخل قاعة المجلس منذ أربع سنوات، رغم تعدد طلبات الإحاطة والأسئلة التي وجهت إلي وزارته؟


* حين انتهي المجلس من مناقشة قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار وإقراره بصورة نهائية، جاء السيد أحمد عز وطلب تعديل إحدي المواد، وبقدرة قادر استطاع أن يمرر التعديل علي مختلف اللجان المختصة بحيث تمت الاستجابة لرغبته خلال الأربع والعشرين ساعة التي أعقبت إقرار المشروع، هل يمس ذلك كرامة المجلس أم لا؟


* بالمناسبة هل يليق أن يستدعي السيد أحمد عز بعضا من موظفي شركاته لكي يراقبوا مدي التزام ممثلي الحزب الوطني بتنفيذ تعليمات الحضور في الجلسات المهمة، عن طريق الوقوف علي الأبواب وأخذ بطاقاتهم لتصويرها وحتي يتم تحديد المتغيبين ومحاسبتهم؟


* وهل مما يليق بكرامة المجلس أن يجلس ضباط أمن الدولة في الشرفات لتدوين ما دار فيها طوال الوقت، وأن يتولي مندوبو أمن الدولة المرور علي اللجان المختلفة لأخذ صور من قراراتها وإرسالها أولاً بأول إلي الداخلية، وهم المندوبون الذين يستنسخون جميع الأسئلة وطلبات الإحاطة ويرسلونها إلي الداخلية أيضا؟


* وهل يصح أن تُصادر الهواتف المحمولة من أعضاء المجلس، وأن يتم تفتيشهم ذاتيا، وأن يمر كل واحد منهم من خلال ثلاث بوابات إلكترونية، حين يدخلون إلي المجلس الذي هو بيتهم، في المناسبات السياسية المهمة التي تحضرها القيادة السياسية؟


* وأليس مما ينال من كرامة المجلس وهيبته أن يعتدي رجال أمن الدولة بالضرب ويقوموا بسحل أحد أعضائه أثناء مرافقته أحد المرشحين لانتخابات مجلس الشوري في دائرة السنطة «محافظة المنوفية»؟


* هل يعتبر تجاهل توصيات اللجنة البرلمانية لتقصي حقائق كارثة العبّارة التي قتل فيها أكثر من ألف مصري، مما يليق بكرامة المجلس وهيبته؟


* هل يليق بكرامة المجلس أن يمرر تعديلات دستورية تفصل شروط الترشح لانتخابات الرئاسة علي قياس بذاته، وأخري توسع صلاحيات أجهزة الأمن في الاعتقال والتفتيش والتنصت، وتقلص من دور القضاء العادي، في حين توسع نطاق القضاء العسكري الاستثنائي؟


* كيف قبلت رئاسة المجلس أن توزع الحكومة علي نواب الحزب الوطني بالذات «هبات» مالية وصفت بأنها «رشاوي»، في حين أن ذلك مما يؤثر في نزاهة الأعضاء الذين يفترض فيهم مراقبة أعمال الحكومة؟