هي مواسم للخيرات وللازدياد من الحسنات ورفع الدرجات؛ جعلها الله على طريق السالكين إليه، فاستعدوا وأعدوا كي لا تفوتكم الفرصة.
ومثلُ هذه الأيام الأول من ذي الحجة العشرُ الأواخر من رمضان، ومثلها يوم الجمعة، وقد ميَّزه الله عن أيام الأسبوع، وفيه ساعة إجابة، ومثل ذلك الأسحار من الليالي، وفيها ساعة تَجَلٍّ وقربٍ لرحمة الله تعالى من القائمين الداعين المستغفرين "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرَّضوا لنفحات ربكم".
فضل عشر ذي الحجة
اعلم يا أخي أن الله اختار الزمان، وأحبُّ الزمان إلى الله الأشهر الحرم، وأحبُّ الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة، وأحبُّ ذي الحجة إلى الله العشر الأوائل.
وعشرنا هذه ليست كأي عشر، وعشرنا هذه تحتوي على فضائل عشر:
(1)أن الله تعالى أقسم بها، فقال: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ (الفجر: 2) قال ابن عباس: إنها عشر ذي الحجة، وبه قال مجاهد ومسروق وقتادة والضحاك والسُّدِّي ومقاتل.
(2) أن الله سماها الأيام المعلومات فقال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ (الحج: من الآية 28) قال ابن عباس: هي أيام العشر.
(3) أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا، عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر" (رواه البزار، وابن حيان في صحيحه عن جابر بن عبد الله، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهم من أيام العشر، فأكثروا فيهم من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير" (رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس، ورواه أحمد في سنده عن ابن عمر، وإسناده جيد).
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهم من أيام العشر، فأكثروا فيهم من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير" (رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس، ورواه أحمد في سنده عن ابن عمر، وإسناده جيد).
(4) أنه حثَّ على أفعال الخير فيها.
(5) أنه أمر بكثرة التسبيح والتحميد والتهليل فيها.
(6) أن فيها يوم التروية.
(7) أن فيها يوم عرفة، وصومه بسنتين.
(8) أن فيها ليلة جَمْع، وهي ليلة المزدلفة.
(9) أن فيها الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام.
(10) أن فيها يوم النحر الذي هو أعظم أيام الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعظم الأيام عند الله يوم انحر ثم يوم القر"، وفيها الأضحية التي هي علم للملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية.
وذهب الإمام ابن القيم الجوزية (في زاد المعاد) إلى أن نهار العشر الأول من ذي الحجة أفضل من نهار الأواخر من رمضان، وليل العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليل العشر الأول من ذي الحجة؛ لأن فيها ليلة القدر.
وقال أبو عثمان النهري: "كان يعظِّمون ثلاث عشرات: العشر الأُوَل من ذي الحجة، والعشر الأخيرة من رمضان، العشر الأُوَل من المحرم".
فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة
عن ابن عباس رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح أحب فيها إلى الله عز وجل من هذه الأيام"، يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله.. ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله لم يرجع من ذلك بشيء" (أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود وابن ماجة).
قال ابن رجب في (لطائف المعارف): "إذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيره من أيام الستة كلها، صار العمل فيها وإن كان مفضولاً أفضل من العمل في غيرها وإن كان فاضلاً، ولهذا قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد...".
ثم استثنى جهادًا واحدًا هو أفضل الجهاد، فإنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده وأهريق دمه" وصاحبه أفضل الناس درجة عند الله، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو يقول: اللهم أعطني أفضل ما تُعطي عبادك الصالحين، فقال: "إذن يعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله" فهذا الجهاد بخصوصه يفضل على العمل في العشر، وأما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشرة ذي الحجة أفضل وأحب إلى الله عز وجل منها وكذلك سائر الأعمال.
وهذا يدل على أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره.