الخميس، 18 فبراير 2010

الرسول القدوة والإبتلاءات

رسالة من: أ. د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد..
ففي ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رحمة الله للعالمين والقدوة البشرية السامية؛ سنتناول بعون الله وتوفيقه على مدار رسالتين موضوعين متكاملين؛ الأول: كيف واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الابتلاءات، والثاني: الرسول القدوة والمبشرات.

أولاً: الابتلاءات
عندما نتدبَّر آيات الله عز وجل في القرآن التي حدثتنا عن ابتلاءات الأنبياء والرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، سنجد أنها سنةٌ لا تتخلَّف أن يكون هؤلاء الرهط الكريم أكرم الخلق على الله أشدَّ الناس بلاءً "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل"، وقد تعدَّدت صور الابتلاءات، وتنوَّعت لكل رسول ونبي على حدة.

وعلى رأس الجميع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فكمُّ الابتلاءات التي تعرَّض لها وتنوُّعها لم تجتمع على إنسان واحد قط؛ كي يكون بحق قدوةً لكل مبتلًى وكل مظلوم وكل من كُذِّب وأوذي.. ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 21).
 
فها هو يعاني من اليتم المزدوج للأبوين، وكذلك الاغتراب منذ طفولته، والفقر وضيق ذات اليد؛ حتى يعمل راعيًا للغنم، ثم قاسى وفاة الجد ووفاة العم ووفاة الزوجة ووفاة الابن وطلاق البنتين، وابتلاء حمل الرسالة، وثقل الأمانة في مواجهة الصدِّ والتكذيب والإيذاء وضربه بالحجارة، وإلقاء سلا الجزور على ظهره الشريف، وإيذاء أتباعه بكل صنوف العذاب، ثم الحصار والمقاطعة والسجن في شعب أبي طالب "ما لهم من طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت الأشداق"، وهو ما لم يحدث في أي سجن من السجون حتى الآن.

وكان الصحابة يستغيثون به، لعل دعوةً واحدةً مستجابةً ترفع عنهم هذا البلاء، وقد كان ذلك ممكنًا لولا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن هذه سنة الله في أصحاب الدعوات؛ لقول الله عز وجل ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155).

من هم هؤلاء؟! ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة: 156)، أي أننا نحن وما نملك ملكٌ لله، وكلنا وما تحت أيدينا عاريةٌ مستردَّة، سيأخذها صاحبها وقت ما يشاء.

لذلك كان صلى الله عليه وسلم يضرب للصحابة مثلاً أصعب مما هم فيه من التعذيب والأذى، وهو ما حدث لأصحاب عيسى ابن مريم عليه السلام؛ ليؤكد لهم أن هذه ضريبة الدعوات وثمن الجنة لمن أراد أن يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، فسلعة الله غالية، وليس أمامهم إلا الثبات حتى يُظهر الله هذا الدين أو نهلك دونه.

وقد عُرضت عليه كلُّ الإغراءات، يا من تظنون أننا طلاب سلطة.. لو أردت مُلكًا ملَّكناك، ولو أردت مالاً جمعنا لك المال حتى صرت أغنانا، فكان ردُّه صلى الله عليه وسلم: "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

ولقد حذَّره ربه- ونحن من بعده-: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ﴾ (المائدة: من الآية 49)، ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ (القلم: 9)، ومن هنا وبناءً على هذه القواعد الأصلية علَّمَنا الأستاذ البنا رحمة الله عليه أن ما يصيبنا في هذا الطريق إنما هو من العلامات الدالَّة على سلامة الطريق وصدق التوجه.. "ستُسجنون وتُشرَّدون وتُنقَلون وتُصادَر أموالُكم، وسيستغربون فهمَكم للإسلام عندها تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات".

حتى لا يظن أحد أن هذه الابتلاءات سببها أننا دخلنا المعترك السياسي، وأننا ننافس في الانتخابات، وأننا لو توقفنا عن ذلك وانكفأنا على ذاتنا وحصرنا دورنا في العمل الدعوي والتربوي لأنقذْنا أنفسنا وإخواننا وجماعتنا من هذا الظلم والاضطهاد والسجون والمعتقلات ومصادرة الأموال وتفزيع الزوجات والأولاد والبنات والآباء والأمهات، وهذا وهمٌ؛ لأنهم لا يحاربوننا من أجل الإقصاء السياسي أو الاستئثار بالبرلمان والنقابات والاتحادات والأندية.. كلا وألف كلا.. والله لو تركناهم وشأنهم ما تركونا وشأننا.

أما السبب الحقيقي فهو الحق الذي نحمله، والإسلام الشامل الذي ننادي به كما قال ورقة بن نوفل ابن عم أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم "فما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي"، وإننا وهم في سفينة واحدة يحاولون خرقها، ونحن أمرنا بأن نقف في وجه إفسادهم لننجو وسينجون معنا إن استجابوا.

وكانت السيدة خديجة رضي الله عنها ثاقبةَ النظرة، أوتيت الحكمة، هي هي التي قالت إنه صلى الله عليه وسلم "يقري الضيف، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويعين على نوائب الدهر، ويكسب المعدوم"، ونحن نحاول أن نقدم ما أمرنا به الإسلام، وقدَّمه لنا قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعمال البر والخير، فلم يزدهم ذلك إلا اضطهادًا لنا وإغلاقًا لمدارسنا ومصادرةً لجمعياتنا الخيرية ومستوصفاتنا التي تحمل الخير والبر والعلاج لكل أبناء الوطن، مسلمين ومسيحيين.

وهي هي أيضًا التي طمأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطمأنتنا من بعده ما دمتم تقومون بما قام به رسولكم الكريم "والله لن يخزيك الله أبدًا"؛ لأنه من السنن الإلهية أن من يفعل ذلك سيعاديه أهل الباطل وجنود الشيطان، ولكن العاقبة دائمًا للمتقين وقد كانت وستظل.

ولقد كان كل همِّه صلى الله عليه وسلم البحث عن حصانة للدعوة وحماية لها، لا عن نجاة له من الأذى "من يؤويني حتى أبلغ دعوة ربي".. "حتى يظهره الله أو أهلك دونه"؛ لذا كان هتافك الدائم "الجهاد سبيلنا" بكل صوره وعلى قدر إمكانات كل فرد فينا؛ فهو ذروة سنام الإسلام، وأفضله كلمة حق (فقط) عند سلطان جائر، انظروا كيف تكون عند الله قيمة كلمة الحق مهما كانت نتائجها، حتى ولو كانت قتل قائلها، عندها سيكون فعلاً الموت في سبيل الله- على أي جنب وفي أي حال وفي أي مكان- أسمى أمانينا.

وكأني برسول الله صلى الله عليه و سلم في سيرته العطرة الزكية يقول لنا بلسان الحال: هل تظنون أن الابتلاءات ستتوقف حتى بعد التمكين وإقامة الدولة الإسلامية، والتي كان قائدها وزعيمها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ليس هذا ما حدث.. نعم، إن الابتلاء هو الابتلاء، والاختبارات هي هي الاختبارات ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران: 141)، والنتائج هي هي نفس النتائج من باع نفسه وماله لله لا يقترح على الله كيف ومتى يأخذها أو يأخذ بعضها فكلنا لله وكلنا إليه راجعون.

ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مَكَّن الله له ولصحابته يُؤذي أذى يترك إصاباتٍ مستديمةً تلازمه حتى لقي ربه.. كُسرت رباعيته وشُجَّ وجهه، وغابت حلقتا المغفر في وجنتيه الشريفتين، كل هذا حتى يكون الدرس أقوى والأذى أبلغ في نفس كل من تسبَّب في إيذاء رسول الله من الرماة الذين خالفوا أمره.

بل كان أكثر ما يؤلم المؤمنين الصادقين أن نَجَم النفاق في المدينة بكل مشكلاته عندما بدأت الدنيا تُفتح عليهم، فهل هناك راحة لمؤمن من كل أصناف الابتلاءات إلا أن يثبته الله على أي حال كان، فلا يغير ولا يبدِّل حتى يلقى ربه وهو عنه راضٍ، فتكون راحته فعلاً في لقاء ربه.

ولقد مرَّ عليه وعلى المسلمين حوالي ثلاثين غزوة وسرية بتوابعها في عشر سنوات فقط.

وفي مرضه الأخير صلى الله عليه وسلم كان يوعك كما يوعك رجلان، ويؤلمه أبهره، ويعاني من آثار السم الذي وضعته له اليهودية كل عام في نفس الميعاد.

وأسرُّ في أذن كل أخ حبيب بقول الله عز وجل: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً﴾ (النساء: 83) لا يمنعك أحد من التفكير في الأفضل، فالتفكير والتفكر فريضة لها أجرها، نعم لا بأس يا أخي من الاقتراح حتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي علَّمنا وشجَّعنا على هذا، ولكن ضع اقتراحك عند قيادتك حتى تتمَّ بركة الشورى وتخلص من حظِّ النفس، كان بعض الصحابة يقول هذا رأيي وأرجو ألا يُعمل به؛ لأن حبَّ الظهور يقصم الظهور، وبعد اتخاذ القرار ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 159).

وأنتم أيها الأحباب خلف الأسوار في السجون والمعتقلات..
لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ، فاصبروا واحتسبوا، واجعلوا حلاوة الأجر تُنسيكم مرارة الصبر، وعما قريب بإذن الله ستقولون ذهب السجن وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله، وانظروا في دينكم إلى من هو أعلى منكم وفي دنياكم إلى من هو أدنى منكم، يكتبكم الله صابرين شاكرين، فرَّج الله كربكم وكرب إخوانكم، بل وأخواتكم الأسيرات في سجون العدو الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، وخلفكم وخلفهم وخلفهنَّ في الأهل والولد والدعوة بخير ما يخلف به عباده الصالحين.. ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾ (فصلت).. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)﴾ (يوسف).

الإمام البنا وقضايا الأمة

كتب - أ.د. محمد بديع - المرشد العام للإخوان المسلمين :

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومَن والاه.
ها هي ذي الأيام تمضي، والسنون تتعاقب، وتحمل في طيَّاتها من الأحداث والمحن التي ظنَّها أعداء الله أنها ماحقة حالقة؛ لكنها ما زادت الإخوان إلا ثباتًا على مبادئهم، وإيمانًا بدعوتهم، واستمرارًا في بذلهم وعطائهم من أجل دينهم وفكرتهم ووطنهم، غير ناظرين إلى دنيا يصيبونها أو مغانم يرزقونها، مترسمين خُطى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مع المسيرة المباركة لا تزال الراية في القلوب خفَّاقة، وفي الأعناق أمانة، وفي السلوك التزام، وفي العمل قربة وجهاد.

وأشد ما يُفرح العاملين الصادقين المتمسكين أن ترتفع هذه الراية لتظلهم، وتؤمِّن مسيرتهم ضد مَن يتربصون بالإسلام والمسلمين, فيحاولون إجهاض كل عملٍ إسلامي بنَّاء, وحتى يطمئن الجميع سيما مَن في قلوبهم وجلٌ من دعوة الإخوان المسلمين، نسوق إليهم فِكْرَ الإمام البنا ومواقفه من قضايا الأمة، والتي شغلت الكُتَّاب والمفكرين والعاملين على مدى العقود الثمانية الماضية, فقد انشغل البنا بقضايا العالم الإسلامي والأمة الإسلامية في الداخل والخارج، وبخاصة القضية الفلسطينية التي حظيت من الإمام الشهيد باهتمامٍ بالغٍ حتى لا تُذكر فلسطين إلا ويُذكر معها الإخوان المسلمون.

وقد عبَّر الإمام البنا عن ذلك بقوله: "فلسطين تحتل في نفوسنا موضعًا روحيًّا وقدسيًا فوق المعنى الوطني المجرد، إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة وبركات النبيين والصدِّيقين ومهد المسيح عليه السلام، وفي كل ذلك ما ينعش النفوس ويُغذي الأرواح".

وقضية فلسطين لدى الإمام الشهيد في المقام الأول هي قضية الإسلام وأهله، كما قال: "قلب أوطاننا، وفلذة كبد أرضنا، وخلاصة رأسمالنا، وحجر الزاوية في جامعتنا ووحدتنا، وعليها يتوقف عز الإسلام وخذلانه".

لقد جعل البنا من القضية الفلسطينية قضية العروبة والإسلام في القرن العشرين؛ فقد شارك الإخوان في الجهاد في فلسطين منذ الثلاثينيات، ففي عام 1935م اتصل البنا بالمجاهد "عز الدين القسَّام"، وفي عام 1936م وجَّه نداءً حارًّا عامًّا للإخوان المسلمين للتبرع وجمع المال لدعم المجاهدين أثناء الانتفاضة الكبرى في فلسطين, كما تمَّ عقد مؤتمر عربي حاشد من أجل فلسطين بالمركز العام للإخوان المسلمين بمصر عام 1938م، شارك فيه زعماء العالم العربي، وفي عام 1947م واستجابةً لنداء الإخوان تشكَّلت هيئة من مختلف القوى السياسية في مصر هي "هيئة وادي النيل لإنقاذ القدس".

كما شارك الإخوان في الجهاد، وأرسلوا كتائبهم بعد قرار التقسيم عام 1947م، وكانت لهم صولات وجولات شَهِدَ بها العالم أجمع، وسطَّروا بدماء شهدائهم ملامح البطولة مع إخوانهم في فلسطين، والذي لحق بهم الإمام البنا شهيدًا عام 1949م.

البنا والوطنية
يرى الإمام البنا أن الوطنية بمعنى حب البلد والحنين إليه، والعمل لتحريره وتقويته، وتقوية الرابطة بين أفراده بما يعود بالخير عليهم، فكرة صائبة يُقرها الإسلام، ومن ثمَّ فنحن نؤمن بها ونعمل لها، كما يذكر الإمام البنا أن الإخوان المسلمين أشدُّ الناس إخلاصًا لأوطانهم وتفانيًا في خدمتها، وأن أساس الوطنية عندهم هي العقيدة التي هي فوق كل اعتبار.

وفي رسالة إلى الشباب يُذكِّر البنا أن الإخوان يعملون لوطنهم مصر، ويجاهدون في سبيله، ويفنون في هذا الجهاد؛ لأن مصر من أرض الإسلام وزعيمة أممه، وأن هذه هي الحلقة الأولى في سلسلة النهضة المنشودة، وأنها جزء من الوطن العربي العام، وأننا حين نعمل لمصر نعمل للعروبة وللشرق وللإسلام، ومن ثَمَّ فإن هذا الموقف من الوطنية الذي تبنَّاه الإمام البنا يربِّي في الفرد شعور الانتماء إلى مصر والإحساس بالمسئولية تجاهها، ويبعث على العمل لتحررها ورقيها، وفي نفس الوقت يُوسِّع أفق الوطن، باعتبار أن مصر هي الحلقة الأولى من حلقات النهضة.

البنا والوحدة العربية
يوضح الإمام البنا أن العروبةَ لها في دعوة الإخوان مكانٌ بارزٌ، فالعرب هم أمة الإسلام الأولى، والإسلام نشأ عربيًّا، ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه الكريم بلسانٍ عربي مبين، وتوحَّدت الأمم باسمه على هذا اللسان، فالعرب هم عصبة الإسلام، وحذَّّر الإمام من سلخ مصر عن العروبة، مبينًا أن التمسك بالعروبة والقومية العربية يجعل مصر أمةً تمتد جذورها من الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلسي.

وأوضح البنا أن وحدة العرب أمرٌ لا بدَّ منه لإعادة دولة الإسلام ومجده، وأنه يجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها، وأنه دون اجتمـاع كلمة الشعوب العربية ونهضتها لن ينهض الإسلام، ويقول: "والجامعة العربية في وضعها الصحيح الذي يجعلها جامعة حقيقية تضم كل عربي على وجه الأرض في المشرق والمغرب، وتستطيع أن تقول كلمتها فيحترم هذه الكلمة العرب وغير العرب، هذه الجامعة العربية من واجبنا أن نعمل على تقويتها وتدعيمها، ومن حقنا أن يعترف الناس بها، وأن يقدِّروها قدرها، وأن يؤمنوا بأنها حين تقوى وتعز ستكون من أقوى دعائم الإسلام العالمي".

ولقد تبنَّى الإخوان قضايا العالم العربي جميعًا، وخاصة قضية تحرير الدول العربية من الاستعمار الغربي، وقضية الوحدة العربية، وامتلأت كل رسائلهم وصحفهم بأخبار العالم العربي والدفاع عن قضاياه والتوعية بأوضاعه السياسية والعسكرية، ولا شك أن دخولهم الفعلي في حرب فلسطين عام 1948م هو أكبر دليل واقعي على مدى سيطرة هذا الشعور العربي بالمضمون الإسلامي على الإخوان الذين تطوَّعوا للجهاد في فلسطين.

البنا وقضية المرأة
عنى الإمام البنا بالمرأة عنايةً كبيرةً؛ فقد أدرك منذ البداية أهمية دور المرأة والطاقات الاجتماعية الهائلة للنساء، وقد تجلَّى ذلك بوضوح في حرصه على إنشاء مدرسة "الأخوات المسلمات" التي لم تقتصر على تقديم التعليم العام للفتيات، وإنما اهتمت إلى جانب ذلك بتربيتهن على القيم والأخلاق الإسلامية، وتعتبر تلك التجربة أول محاولة جادة في الوطن العربي- في العصر الحديث- للنهوض بالمرأة، وتنميتها فكريًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا؛ للمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية لأمتها.

يقول الإمام البنا في (رسالة المرأة المسلمة): "والإسلام جعل المرأة شريكة الرجل في الحقوق والواجبات، إذْ هي كفء الرجل في إنسانيته ومساوية له في القدر، وأنه اعترافٌ لها بحقوقها الشخصية كاملةً وبحقوقها المدنية كاملةً، وبحقوقها السياسية كاملةً أيضًا، وعاملها على أنها إنسان كامل الإنسانية له حق وعليه واجب".

البنا والأقباط
تناول الإمام البنا في أكثر من رسالة وخطاب الموقف من الأقليات، وخاصةً الأقباط، فيقول في رسالة (دعوتنا): "إن الإسلام دين الوحدة ودين المساواة، وأنه كفل هذه الروابط بين الجميع ما داموا متعاونين ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ (8)﴾ (الممتحنة)، فمن أين يأتي التفريق إذن؟

وفي رسالة (نحو النور) يقول: "إن الإسلام يحمي الأقليات عن طريق: أنه قدَّس الوحدة الإنسانية العامة والوحدة الدينية العامة بأن فرض على المؤمنين به الإيمان بكل الرسالات السابقة، ثم قدَّس الوحدة الدينية الخاصة في غير تعدٍّ ولا كبر، ويقول إن هذا هو (مزاج الإسلام المعتدل) لا يكون سببًا في تمزيق وحدة متصلة، بل يُكسب هذه الوحدة صفةَ القداسة الدينية، بعد أن كانت تستمد قوتها من نصٍّ مدني فقط".

كما أوصى في رسالةٍ إلى الشباب بإنصاف الأقباط وحسن معاملتهم بقوله: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"؛ فلا ندعو إلى فرقة عنصرية ولا إلى عصبية طائفية.

البنا والنظام الاقتصادي

دعا الإمام البنا إلى الاستقلال الاقتصادي عن السيطرة الأجنبية والنهوض بالاقتصاد الوطني، ونادى بكثيرٍ من المطالب التي تُحقق ذلك مثل تشجيع الصناعات اليدوية، والتحول إلى الصناعة بجانب الزراعة، وإرشاد الشعوب الإسلامية إلى التقليل من الكماليات، والعناية بالمشروعات الوطنية.

وقد تجاوز الإخوان الدعوة النظرية إلى النهوض والاستقلال الاقتصادي؛ فدعوا إلى مقاطعة البضائع والمحلات والشركات الأجنبية، وقاموا بتأسيس العديد من الشركات الاقتصادية المساهمة، كما تبنُّوا مطالب العمال وحقوقهم في صحافتهم وكتبهم.

البنا والنظام الدستوري
يقول الإمام البنا في (رسالة المؤتمر الخامس): "إن طبيعة الإسلام التي تساير العصور والأمم، وتتسع لكل الأغراض والمطالب، لا تأبى أبدًا الاستفادة من كل نظامٍ صالحٍ لا يتعارض مع قواعده الكلية وأصوله العامة"، ولقد طبَّق الإمام البنا هذا المنهج على الموقف من النظام النيابي والدستوري الذي تبلور في تجارب الديمقراطيات الغربية، فقال في (رسالة نحو النور): "إنه ليس في قواعد هذا النظام النيابي الذي نقلناه عن أوروبا ما يتنافى مع القواعد التي وصفها الإسلام لنظام الحكم، وهو بهذا الاعتبار ليس بعيدًا عن النظام الإسلامي ولا غريبًا عنه".

فالمبادئ والمقاصد التي جاء بها الإسلام في سياسة الأمة والدولة يمكن أن تحققها "النظم المدنية" "والتجارب الإنسانية" التي هي إبداع إنساني، والمعيار في القبول والرفض هو مدى تحقيق هذه النظم لمقاصد الإسلام في إشراك الأمة في سلطة صنع القرارات وفي تحقيق العدل بين الناس.

هذا هو الإمام الشهيد حسن البنا الذي عاش قضايا أمته بروحه ووجدانه وفكره وعقله، ولا يزال الإخوان المسلمون سائرين على دربه، متمسكين بتلك المبادئ والثوابت القائمة على الكتاب والسنة، وكذلك كانت مواقفه الواضحة من قضايا أمته التي عاش لها، واستُشهد من أجلها، ولقد عرَّف الإمام البنا نفسه في كلماتٍ جامعة عندما سُئِلَ مَن أنت فكان جوابه: أنا سائح يطلب الحقيقة، وإنسان يبحث عن مدلول الإنسانية بين الناس، ومواطن يُنشد لوطنه الكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيبة في ظلِّ الإسلام الحنيف، ومتجرد أدرك سر وجوده؛ فنادى ﴿قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام).

السبت، 13 فبراير 2010

خروج سيد العتويل بعد حبس استمر أربعة شهور

بعد اعتقال دام لمدة أربعة أشهر يعود الأستاذ السيد العتويل - من قيادات الإخوان بأولاد صقر وكفر صقر - إلى منزله بقرية بني منصور أولاد صقر شرقية ..
من الجدير بالذكر أن الأستاذ السيد العتويل تم اعتقاله في العاشر من أكتوبر من العام الماضي على خلفية وقفات نصرة المسجد الأقصى بالشرقية ..
انتظروا حوار هام جدا مع الأستاذ السيد العتويل فقط وحصريا على صقراوي

السبت، 6 فبراير 2010

انشر إبداعك على صقراوي

الحمد لله والصلاة على رسول الله ..
ها هي مدونتكم صقراوي وكما عودتكم دائما تفتح بابا جديدا من أبواب الإبداع لمتابعيها .. الآن بإمكانك أن ترسل إلينا مقالات وتصميمات ورسوم وأشعار وقصص من إبداعك وذلك لتنمية المهارات الإبداعية بنشرها على الانترنت مجانا من صقراوي . .يمكنم مراسلتنا على بريدنا الإلكتروني sakrawy2009@yahoo.com

إعلان هام من قبل مدرسة عمر بن الخطاب الإبتدائية المشتركة

تعلن مدرسة عمر بن الخطاب الإبتدائية المشتركة بأولاد صقر عن بدء المعسكر التعليمي لرفع مستوى الطلاب الضعفاء حيث يتكون البرنامج من مجموعات تقوية حرصا من إدارة المدرسة على رفع المستوى الدراسي لللطلاب ..
كما تعلن إدارة المدرسة عن أن المعسكر يبدأ من السبت الموافق 6/2/2010م وينتهي الخميس11/2/2010م والمعسكر مجاني تماما ..
                  مدير الإدارة                                                                مدير المدرسة
                أ/ صلاح سنجر                                                         م/عبد الواحد محمدين

عزاء واجب في وفاة الحاج عبد النبي العايدي



تتقدم إدارة صقراوي نيابة عن الإخوان المسلمين بأولاد صقر بالعزاء في وفاة الأسطى عبد النبي العايدي رحمه الله .. ونشاطر العزاء كل من الأخ الأستاذ محمد علي العايدي والأستاذ فتوح علي العايدي والأستاذ منصور علي العايدي والأستاذ لطفي علي العايدي والأستاذ أسامة العايدي والدكتور محمد فتوح والأستاذ أحمد عبد النبي سائلين المولى عزوجل أن يسكن الفقيد فسيح جناته ولأهله الصبر والسلوان .. والبقاء لله

الجمعة، 5 فبراير 2010

حسن البنا .. الرجل والمنهج


ونحن نستحضر ذكراه في يوم استشهاده (12 فبراير) الحادي والستين، فإننا ندرك أن الرجل قد مضى إلى ربه راضيًا مرضيًّا، فقد اخترقت الرصاصات الغادرة ليلتها جسدًا أفناه السجود ليلاً بين يدي الله، وأضنته الرحلة في سبيل الله نهارًا في ربوع مصر وقراها، من أقصاها إلى أقصاها، أما الروح والمنهج والبناء الذي أرساه فقد بقي شامخًا، يزداد على مرِّ الزمان رسوخًا وتألقًا، وقد أعطاه الإمام الشهيد المؤسس من دمه الطاهر الزكيِّ وقودًا ومددًا لم ينقطع، بل استمرَّ المدد بدماء الشهداء ودموع الساجدين بين يدي الله، وأنَّات المعذبين في غياهب السجون، وتضرُّعات الملايين من السجناء وأسرهم إلى الله رب العالمين، وثبات الذين ضحَّوا بالغالي والنفيس في سبيل عقيدتهم وفكرتهم ومنهجهم ابتغاءَ رضوان الله رب العالمين؛ فالله غايتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم قدوتهم، والجهاد سبيلهم، والشريعة منهجهم، والموت في سبيل الله أسمى أمانيهم، صدقوا الله فصدقهم الله.


هذا المنهج مرسومةٌ خطواتُه، محددةٌ معالمه، يستقي الحكمة من قول الحق تبارك وتعالى: @831;إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ@830; (الرعد: من الآية 11) وقوله تعالى: @831;ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ@830; (الأنفال: من الآية 53)، وقوله تعالى: @831;قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ@830; (آل عمران: من الآية 165)، وقوله تعالى: @831;وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ@830; (النحل: 112).








وقد أثبتت الأيام ووقائع الزمان منذ أكثر من قرن أن كل تجارب النهوض التي عاشتها الأمة وصلت إلى طريق مسدود، وأننا ما زلنا نبحث عن الاستقلال الحقيقي، والإرادة الحرة، والعدالة الناجزة، والعدل الاجتماعي، ودولة القانون، والحريات العامة، وتداول السلطة، التي يستمدُّها الحكام من الأمة في انتخابات حرة، رغم مرور عصور جرَّبت فيها الأمة حينًا الليبرالية، ومرةً الاشتراكية أو الشيوعية، ومراتٍ الانقلابات العسكرية، فجنينا الشوك والحصرم وعُدْنَا من حيث بدأنا..





ورغم كل ذلك فإن المؤتمرات والمؤامرات التي كانت تنعقد سرًّا خلال قرن من الزمان تنعقد الآن علنًا، جهارًا نهارًا، ويحضرها المسئولون من بني جلدتنا، المعيَّنون بأمر القوى الأجنبية؛ ليتآمروا على أبناء أمتهم، ويراهنوا على دعم الأجانب ضد شعوبهم، ويا للعجب!! مؤتمران في نفس اللحظة في لندن عاصمة الإمبراطورية التي ما زالت تمارس دور المحتل؛ الذي وإن رحلت قواته في مشهد خدَّر مشاعر الملايين فها هي تتآمر- رغم كل لجان التحقيق الشكلية التي لم تغنِ شيئًا- وتتواطأ وتأتمر بأمر قيادة العالم الجديد، عالم الظلم والطغيان والفساد، لإرسال المزيد من القوات وإنفاق المزيد من الأموال، لأي هدف ولأجل أي غرض، لا لشيء إلا لقطع الطريق على نهضة حقيقية في بلاد المسلمين، تتحقَّق بسواعد أبنائها، وتترسَّم خطى نبيِّها، وتسير على منهج إسلامها.


رغم كل الجرائم البشعة التي ما زالت تلك العصابة الإجرامية تمارسها ولن يكون آخرها اغتيال الشهيد "محمود عبد الرءوف المبحوح" في الإمارات العربية المتحدة على يد عملاء الموساد، الذين حضروا برفقة الوزير الصهيوني الذي دنَّس أرضًا عربيةً تحت عَلَم مؤتمر دولي، ويحملون جوازاتٍ أوروبيةً، ورغم عشرات القرارات الدولية؛ فإن العالم كله- ومعه المتخاذلون من قادة الأمة العربية والإسلامية- لا يستطيعون الوقوف في وجه ذلك الاحتلال، ولا يملكون حسابه على جرائمه البشعة، وآخرها استخدام الفوسفور الأبيض المحرَّم دوليًّا، والذي اعترف باستخدامه في حرب غزة منذ عام، بل يدعمونه بالمال والسلاح والعتاد والرجال، بل يؤمِّنون له سلامًا وأمنًا باتفاقيات وجدران، ويمنعون المقاومة الشجاعة من ممارسة حقها المشروع، بل يمارسون عليها كافة الضغوط ويستخدمونها ورقةً في المساومات.



فيا أيها الإخوان.. سيروا على بركة الله.. كونوا أوفياء لعهدكم مع الله.. ادرسوا كتاب الله لتتعلموا منه طريقكم المرسومة خطواته، وتحلَّقوا حول سيرة رسولكم صلى الله عليه وسلم لتعلموا أن منهجكم إنما هو التطبيق العصري العملي لسيرة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
اعملوا.. واعملوا.. واعملوا.. ولا تيأسوا؛ فالمستقبل لدعوتكم، والنصر لأمتكم.. @831;وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ@830; (التوبة: من الآية 105) صدق الله العظيم.