د. حسن البراري
يكشف النقاش العام في "إسرائيل" عن قراءتين مختلفتين لموقف بنيامين نتنياهو من مجمل عملية السلام وتعيينه للمتشدد آفيغدور ليبرمان وزيرا للخارجية. فهناك اتجاه يرى أن نتنياهو قد تعلّم الكثير في السنوات الطويلة التي قضاها في المعارضة، وأنه نضج بما يكفي قياسا بفترة رئاسته الأولى التي يرى الكثير من الإسرائيليين أنها كانت بداية نهاية عملية السلام، وبهذا المعنى من المستبعد أن يأخذ نتنياهو "بلده" في مغامرة غير محسوبة مع أن تصريحاته المتكررة تفيد أنه لم يتعلم كثيرا في هذا الموضوع بالتحديد.
ولهم في أرئيل شارون مثال إذ كان وراء مغامرة فاشلة في لبنان في عام 1982 وتعلم منها أنه لا يمكن لرئيس حكومة إسرائيلي أن يكون فعالا إلا إذا ضمن وحدة الجبهة الداخلية وضمن تنسيق كبير مع الجانب الأميركي، وبالفعل شكل هذان الدرسان أساس حركته السياسية والدبلوماسية عندما أصبح رئيسا للوزراء خلفا لباراك.
وهؤلاء أنفسهم لا يرون أن تعيين ليبرمان وزيرا للخارجية كتعبير عن تغير في استراتيجية نتنياهو في التحرك على مسار السلام وبخاصة السوري، وهم يجادلون أن تعيين ليبرمان إنما يهدف لطمأنة اليمين الإسرائيلي وأن نتنياهو سيستفيد من ذلك حتى لا يتعرض لغضب اليمين الإسرائيلي الآن. ولهذا، فإن جنوح نتنياهو للسلام هو أكثر مصداقية عندما يكون على سدة الحكم لأن كديما لن يعارض مثل هذا التوجه، وبالتالي استرضاء اليمين المتطرف عن طريق تعيين ليبرمان يخدم نتنياهو تكتيكيا في لعبة البقاء السياسي، كما يرى أصحاب هذا الطرح أن ضغطا أميركيا محتملا ووجود حزب العمل قد يغير من موازين القوى داخل الحكومة لصالح الاعتدال.
المشكلة في مثل هذا الطرح أن يقلل من أهمية ما يمكن لحكومة يمينية أن تقوم به في سياق بناء المستوطنات وبالتالي إعاقة أي تقدم في عملية السلام حتى لو أراد نتنياهو أن يفاجأ المنطق ويوقع اتفاقيات على غرار ما فعل في اتفاق واي ريفر الشهير! ثم في هذا الافتراض تغييب إمكانية أن يقوم اليمين الإسرائيلي بالخروج من الحكومة على خلفية عملية السلام وقد قاموا بذلك بالفعل أيام مؤتمر مدريد ما مهد الطريق لهزيمة شامير.
على الطرف الآخر، ثمة من يرى أن الائتلاف الحكومي لا يمكن له أن يتقدم في عملية السلام وأن تعيين ليبرمان في موقع وزير للخارجية هو التعبير الأصدق لتوجه حكومة لا ترى في السلام أهمية ولا تركز إلا على كيف يمكن التصدي لإيران وخطرها النووي المفترض. ويرى أصحاب هذا الرأي أن ما يجمع اليمين الإسرائيلي بشقيه العلماني والمتدين هو هدف الحفاظ على وحدة الأرض وما يعني ذلك من تقديم الأرض على السلام كقيمة عليا، وإذا صدق هذا القول فإننا أقرب إلى ما نكون إلى سيناريو سابق عندما اختلف اليمين الإسرائيلي وانقسم وضعف، ومع ذلك فالخيار بهذه الحالة ليس صعود اليسار للحكم لأنه لم يعد هناك يسار في "إسرائيل" مع وجود إجماعات صهيونية تتعلق بالموقف من الأرض والقدس ويهودية الدولة واللاجئين.
بالنتيجة، سيشهد نتنياهو اختبارات عصيبة في العلاقة مع الولايات المتحدة وفي العلاقة مع أركان الائتلاف الذي يتبنى مواقف مخالفة لما تريده إدارة أوباما، وفي المحصلة، وهنا مربط الفرس، على الفلسطينيين أن يستثمروا لحظة عدم التيقن الإسرائيلية واحتمال صدام نتنياهو مع أوباما ولا يكون ذلك إلا عن طريق تحقيق الوحدة الوطنية والكف عن الصراع على السلطة لأنه صراع سيريالي على فتات سلطة لم تعد لها قيمة وهي ربما غير موجودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق