ورد في الخبر:"إِنَّ لِرَبِّكُم في أيَّامِ دَهْرِكُم لَنَفَحَاتٍ، أَلاَ فَتَعَرَّضُوا لَهَا".. تمر الشهور والأيام وتتوالى النفحات والرحمات من رب العالمين، وتظلنا في هذه الأيام نفحة ربانية عظيمة؛ بل لو أردنا الدقة لقلنا: إنها ليست نفحة واحدة إنما نفحات ونفحات.
إنه شهر شعبان، مفتاح الخير والفضل، وبداية موسم الطاعات والخيرات، والاستعداد للنفحات الكبرى التي تأتي من بعده في الشهر المبارك شهر رمضان.
فضل شهر شعبان
عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ:"ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النّاسُ عَنْهُ بَــيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" (رواه النسائي وصححه ابن خزيمة).
فضل شهر شعبان
عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ:"ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النّاسُ عَنْهُ بَــيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" (رواه النسائي وصححه ابن خزيمة).
ويُستفاد من هذا الحديث عدة أمور مُهمَّة:
1- حرص الصحابة- رضوان الله عليهم- على معرفة الخير: فالصحابة الكرام كانوا يترقبون أفعال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حرصًا على الاقتداء به في أفعاله وأحواله، والصحابي الجليل هنا قد لاحظ أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يُكثر من صيام شهر شعبان؛ فاستنبط الصحابي أنَّ وراء هذا الحرص من النبي- صلى الله عليه وسلم- شيئًا من الخيرِ يريد الصحابي أن يتعلمه، فيبادر بالحديث دونما خجلٍ أو خوف، وإنما حرص على الخير، فيجيبه النبي- صلى الله عليه وسلم- ويدله على الخيرِ ويخبره عن سببِ كثرةِ صيامه، ويفصل له في الأمر.
2- وقوله صلى الله عليه وسلم: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ"؛ يُشير إلى أنه قد سبقه شهر رجب وهو من الأشهر الحرم ويتبعه شهر رمضان وهو شهر الصيام والقرآن وشهر الخيرات والبركات، فالشهر الذي يسبقه والشهر الذي يتبعه شهران عظيمان يهتم الناس بهما لفضلهما، وقد يشتغل الناس بهما عنه، فيصير شهر شعبان شهرًا مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظن أنَّ صيام رجب أفضل من صيامِ شعبان؛ لأنَّ رجب شهر حرام، وليس الأمر كذلك.
3- وفي الحديث دليل على استحبابِ عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة، ويقولون: هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السُّوق؛ لأنه ذِكْرٌ في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، وانظر أخي الكريم لعظم أجر العبادة في وقت الغفلة، فعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:"مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فقالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: كَتبَ اللَّهُ لَهُ ألْفَ ألْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ ألْفَ ألْفِ سَيِّئْةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ألْفَ ألْفِ دَرَجَة". (رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة، وزاد فيه في بعض طرقه: "وَبَنَى لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ"، وفي إحياءِ الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها:
- أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام فإنه سِرٌّ بين العبد وربه، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء، وكان بعض السلف يصوم سنين عددًا لا يعلم به أحد، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدَّق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته، وكان السلفُ يستحبون لمَن صام أن يُظهر ما يُخفي به صيامه، فعن ابن مسعود أنه قال: "إذا أصبحتم صيامًا فأصبِحوا مدَّهنين"، وقال قتادة: يُستحب للصائمِ أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام.
- وكذلك فإنَّ العملَ الصالح في أوقات الغفلة أشقُّ على النفوس، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس؛ لأنَّ العمل إذا كَثُر المشاركون فيه سهُل، وإذا كثرت الغفلات شَقَّ ذلك على المُتيقظين، وعند مسلم من حديث مَعْقِلِ بن يَسَارٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ، كَهِجْرَةٍ إِلَيّ"، أي العبادة في زمنِ الفتنة؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق، وقد ذكر الإمام النَّوويّ في شرحه لهذا الحديث قال: "المراد بالهَرْج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أنَّ الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد".
واجبات عملية في شعبان:
2- وقوله صلى الله عليه وسلم: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ"؛ يُشير إلى أنه قد سبقه شهر رجب وهو من الأشهر الحرم ويتبعه شهر رمضان وهو شهر الصيام والقرآن وشهر الخيرات والبركات، فالشهر الذي يسبقه والشهر الذي يتبعه شهران عظيمان يهتم الناس بهما لفضلهما، وقد يشتغل الناس بهما عنه، فيصير شهر شعبان شهرًا مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظن أنَّ صيام رجب أفضل من صيامِ شعبان؛ لأنَّ رجب شهر حرام، وليس الأمر كذلك.
3- وفي الحديث دليل على استحبابِ عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة، ويقولون: هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السُّوق؛ لأنه ذِكْرٌ في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، وانظر أخي الكريم لعظم أجر العبادة في وقت الغفلة، فعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه؛ أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:"مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فقالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: كَتبَ اللَّهُ لَهُ ألْفَ ألْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ ألْفَ ألْفِ سَيِّئْةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ألْفَ ألْفِ دَرَجَة". (رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة، وزاد فيه في بعض طرقه: "وَبَنَى لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ"، وفي إحياءِ الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها:
- أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام فإنه سِرٌّ بين العبد وربه، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء، وكان بعض السلف يصوم سنين عددًا لا يعلم به أحد، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدَّق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته، وكان السلفُ يستحبون لمَن صام أن يُظهر ما يُخفي به صيامه، فعن ابن مسعود أنه قال: "إذا أصبحتم صيامًا فأصبِحوا مدَّهنين"، وقال قتادة: يُستحب للصائمِ أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام.
- وكذلك فإنَّ العملَ الصالح في أوقات الغفلة أشقُّ على النفوس، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس؛ لأنَّ العمل إذا كَثُر المشاركون فيه سهُل، وإذا كثرت الغفلات شَقَّ ذلك على المُتيقظين، وعند مسلم من حديث مَعْقِلِ بن يَسَارٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ، كَهِجْرَةٍ إِلَيّ"، أي العبادة في زمنِ الفتنة؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق، وقد ذكر الإمام النَّوويّ في شرحه لهذا الحديث قال: "المراد بالهَرْج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أنَّ الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد".
واجبات عملية في شعبان:
1- الصوم: فقد كان شهر شعبان من أحبِّ الشهور لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصوم فيه، ففي روايةٍ لأبي داود عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كَانَ أحَبَّ الشّهُورِ إلَى رَسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم- أنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ ثُمّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ". صحَّحَه الألبانيّ انظر صحيح سنن أبي داود، وإنَّ من الاقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم أن نحب ما أحبه رسول الله.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رسولُ اللهِ يَصُومُ حتى نقول: لا يُفْطِر، ويُفْطِر حتى نقول: لا يَصُوم، وما رأيتُ رسولَ اللهِ استَكْمَلَ صِيامَ شَهْرٍ إلاَّ رمضانَ، وما رَأيتُه أكثر صيامًا منه في شعبان" (رواه البخاري ومسلم) وفي رواية لمسلم:"كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاّ قَلِيلاً"، وقد رَجَّحَ طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"مَا عَلِمْتُهُ- تعني النبي صلى الله عليه وسلم- صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلاّ رَمَضَانَ"، وفي رواية له أيضًا عنها قالت: "مَا رَأيتُهُ صَامَ شَهْرَاً كَامِلاً مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رمضان"، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: "مَا صَامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرَاً كَامِلاً غَيْرَ رَمَضَان"، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرًا كاملاً غير رمضان، قال ابنُ حَجَر رحمه الله: كان صيامه في شعبان تَطَوَّعًا أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان.
وللصيام عامة فضلٌ كبيرٌ وجزاء عظيم فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ- رَضِيَ اللّهُ عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ- صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللّهِ إِلاّ بَاعَدَ اللّهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَجْهَهُ عَنِ النّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"، متفق عليه، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:"الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ".
وكذلك من فوائد صوم شعبان أنَّ صيامه كالتمرين على صيامِ رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرَّن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان بقوة ونشاط.
2- المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة: وقد تعددت الأحاديث التي ذكرت لنا فضل المحافظة على صلاة الجماعة والترهيب من تركها مع القدرة عليها، فعن ابن عمر- رَضيَ اللَّهُ عَنهُ- أن رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- قال: "صَلاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِن صَلاَةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَة" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) والفَذّ أي المنفرد، يقال: فَذَّ الرجل من أصحابه إذا بَقِيَ منفردًا وحده، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: مَنْ سَرّهُ أَنْ يَلْقَى الله غَداً مُسْلِماً فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنّ، فَإِنّ الله شَرَعَ لِنَبِيّكُمْ- صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الْهُدَىَ وَإِنّهُنّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَىَ، وَلَوْ أَنّكُمْ صَلّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلّي هَذَا الْمُتَخَلّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنّةَ نَبِيّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنّةَ نَبِيّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهّرُ فَيُحْسِنُ الطّهُورَ ثُمّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلاّ كَتَبَ الله لَهُ بِكلّ خَطْوَةٍ يَخْطوَها حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطّ عَنْهُ بِهَا سَيّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلّفُ عَنْهَا إِلاّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرّجُلُ يُؤْتَىَ بِهِ يُهَادَىَ بَيْنَ الرّجُلَيْنِ حَتّى يُقَامَ فِي الصّفّ"، وفي شرح الحديث يقول الإمام النووي: "ومعنى يُهَادَى أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما"، وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها. والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
3- قراءة القرآن وختمه وحفظه ومراجعته: وهذا من أعظم أبواب الخير، وله من الفضل والأجر الكبير عند الله عزَّ وجل، فعن عَبْدِ الله بنَ مَسْعُودٍ قال: قالَ رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَرَأَ حَرْفَاً مِنْ كِتَابِ الله فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ آلم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْف ولامٌ حَرْفٌ وَميمٌ حَرْفٌ"، رواه الترمذي وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
ولمَّا كان شعبان كالمُقَدِّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، قال سلمة بن سهيل كان يقال: شهر شعبان شهر القُرَّاء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القُرَّاء، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرَّغ لقراءة القرآن.
4- الدعاء لقبلة المسلمين الأولى: ففي شهر شعبان كان تحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ (البقرة: من الآية 144)، ولا أقل ونحن نرى ما يحدث للمسجد الأقصى أولى القبلتين أن نتذكره ولو بالدعاء أن يعيده الله لنا وأن يحرره من أيدي اليهود المغتصبين.
5- التعود على قيام الليل: فكثير من المسلمين لا يحرص على قيام الليل إلا في رمضان، ومَن يحرص عليها في رمضان يجد في الحرص عليها مشقة كبيرة، وأرى أنَّ سبب ذلك هو عدم التعود على القيام في غير شهر رمضان، وحين تُفاجئنا صلاة القيام في رمضان نجد مشقةً كبرى في المحافظة عليها، ولو أنَّ أجسامنا تعودت قبل رمضان وطوال العام على صلاة القيام مَا وجدنا مشقةً في المحافظة عليها في رمضان، فلا أقل من أن تحرص على صلاة القيام في شعبان من باب التعود على القيام قبل رمضان، ولو بركعتين خفيفتين في جوف الليل، وإن لم يكن فبعد صلاة العشاء أو قبل النوم، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن القَاسِم بن مُحَمَّد عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَىَ الله تَعَالَىَ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلّ"، قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ.
6- إصلاح ذات البَيْن: فكما سبق في الحديث أنَّ شهر شعبان هو الشهر الذي تُعرض فيه الأعمال على الله عزَّ وجل، فأَحَبَّ النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- أن يكون على حالة من الطاعة وقت عرض الأعمال على رب العالمين، وهذا فيه لَفْتٌ لأنظار الأمة من بعده في هذا الشهر الكريم أن يحاول المسلم أن يكون على أكمل حال من الطاعة في شهر شعبان وقت عرض الأعمال على الله عزَّ وجل، وهذا مدعاة أن ينظر الله إليه نظرة رحمة ومغفرة إن كان من تقصير في أعماله المعروضة على رب العالمين، ولا شك أن إصلاح ذات البين وإنهاء الخصومات من أكبر الطاعات المطلوبة خصوصًا في هذا الشهر الكريم؛ وذلك لما لها من فضل كبير، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ"؟. قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ" (رواه الترمذي)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَيُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:"هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ"، وفي تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي يقول: "قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْحَالِقَةُ الْخَصْلَةُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَحْلِقَ أَيْ تُهْلِكَ وَتَسْتَأْصِلَ الدِّينَ، كَمَا يَسْتَأْصِلُ الْمُوسَى الشَّعْرَ، وَقِيلَ هِيَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَالتَّظَالُمُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ حَثٌّ وَتَرْغِيبٌ فِي إِصْلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَاجْتِنَابٌ عَنْ الإِفْسَادِ فِيهَا؛ لأَنَّ الإِصْلاحَ سَبَبٌ للاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَعَدَمِ التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ ثُلْمَةٌ فِي الدِّينِ، فَمَنْ تَعَاطَى إِصْلاحَهَا وَرَفْعَ فَسَادِهَا نَالَ دَرَجَةً فَوْقَ مَا يَنَالُهُ الصَّائِمُ الْقَائِمُ الْمُشْتَغِلُ بِخُوَيْصِّةِ نَفْسِهِ"، فلا يصح أخي الكريم أن تأخذ في البناء في شهر شعبان من الأعمال الصالحة ثم يأتي ما ينقص من هذه الأعمال أو يأتي عليها من فساد ذات البَيْنِ بينك وبين أحد من المسلمين عامة أو من الأرحام خاصة.
ويكفي أن تعلم أخي الكريم خطر أمر الخصام والشحناء والبغضاء بين المسلمين في حديث رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، وفي رواية للإمام مسلم أيضًا: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ"، فالحديث يوضح أنَّ مغفرة الذنوب وقت عرض الأعمال على الله عزَّ وجل قد يؤخرها فساد ذات البَيْنِ والخصام والشحناء والبغضاء، وشهر شعبان هو وقت عرض أعمال السنة كلها على الله عزَّ وجل فينبغي أن نبتعد فيه عن كل ما يؤخر مغفرة الذنوب، وأيُّ خصامٍ وأيُّ شحناء تستحق أن تتأخر مغفرة الله لذنوبنا بسببها؟!.
ونحن مُقبِلُون بعد ذلك على شهر رمضان وما أجمل أن نستقبل هذا الشهر المبارك بصدر رحبٍ خالٍ من الشحناء والبغضاء والخصام، بصدرٍ مملوء بالحب والخير لكل الناس.فليكن شهر شعبان فرصة وبداية لإصلاح ما فسد بيننا وبين الناس.
سباق إلى الخيرات
يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 133)، ويقول تعالى:﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الحديد: 21) ويقول تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ (البقرة: من الآية 148) إنه سباق إلى الخيرات في شهر شعبان، الكل يسارع إلى مغفرةٍ الله ورحمته في هذا الشهر الكريم، الكل يفتح صفحة جديدة يكون أولها خير وطاعة مع رب العالمين، فلتبدأ هذه الصفحة في شعبان ثم تعلو في رمضان وتستمر طوال الأيام، فلا تحرم نفسك أخي الكريم من هذا الخير والفضل الكبير وسارع وبادر إلى هذه النفحات الربانية والانطلاقة الإيمانية في هذا الشهر الكريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق