السائلان: هالة وأحمد كامل- مصر:
هل يجوز للمرأة السفر بدون محرم؟
يجيب عنه فضيلة الشيخ سعد فضل- من علماء الأزهر الشريف:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد:
الأصل المقرر في شريعة الإسلام ألا تسافر المرأة وحدها، بل يجب أن تكون في صحبة زوجها، أو ذي محرم لها.
ومستند هذا الحكم ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم".
وعن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرةَ يوم وليلة ليس معها محرم" (مالك والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه).
وعن ابن عمر: "لا تسافر ثلاث ليالٍ إلا ومعها ذو محرم" (متفق عليه من حديث ابن عمر).
والظاهر: أن اختلاف الروايات لاختلاف السائلين وسؤالهم، فخرجت صوابًا لهم، غير أن أبا حنيفة رجَّح حديث ابن عمر الأخير، ورأى ألا يعتبر المحرم إلا في مسافة القصر، وهو رواية عن أحمد.
وهذه الأحاديث تشمل كل سفر، سواء كان واجبًا لزيارة أو تجارة أو طلب علم أو نحو ذلك.
وليس أساس هذا الحكم سوء الظن بالمرأة وأخلاقها، كما يتوهم بعض الناس؛ ولكنه احتياط لسمعتها وكرامتها، وحماية لها من جميع الذين في قلوبهم مرض، ومن عدوان المعتدين من ذئاب الأعراض، وقُطَّاع الطرقات.
ولكن ما الحكم إذا لم تجد المرأة محرمًا يصحبها في سفرٍ مشروع: واجب أو مستحب أو مباح، وكان معها بعض الرجال المأمونين، أو النساء الثقات أو كان الطريق آمنًا.
لقد بحث الفقهاء هذا الموضوع عند تعرضهم لوجوب الحج على النساء، مع نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسافر المرأة بغير محرم.
1- فمنهم من تمسَّك بظاهر الأحاديث المذكورة فمنع سفرها بغير المحرم، ولو كان لفريضة الحج، ولم يستثن من هذا الحكم صورةً من الصور.
2- ومنهم من استثنى المرأة العجوز التي لا تُشتهى.
3- ومنهم مَن استثنى من ذلك ما إذا كانت المرأة مع نسوةٍ ثقات؛ بل اكتفى بعضهم بحرة مسلمة ثقة.
4- ومنهم مَن اكتفى بأمن الطريق؛ وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
وإذا كان هذا قد قيل في السفر للحج والعمرة، فينبغي أن يطرد الحكم في الأسفار كلها، كما صرَّح بذلك بعض العلماء، كما جاء في فتح الباري.
لأن المقصود هو صيانة المرأة وحفظها؛ وذلك متحقق بأمن الطريق ووجود الثقات من النساء أو الرجال.
والدليل ما رواه البخاري في صحيحه أن ابن عمر رضي الله عنهما أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجةٍ حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف؛ فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك (وهذا يعتبر إجماعًا)... هذا والله تعالى أعلم.